بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الفتاح الجواد المعين على التفقه في الدين من اختاره من العباد وأشهد أن لا إله الله، شهادة تدخلنا دار الخلود وأشهد أن سيدنا محمدا ورسوله صاحب المقام المحمود صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الامجاد صلاة وسلاما أفوز بهما يوم المعاد (وبعد) فهذا شرح مفيد على كتابي المسمى بقرة العين بمهمات الدين يبين المراد ويتمم المفاد ويحصل المقاصد ويبرز الفوائد (وسميته) بفتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين وأنا أسأل الله الكريم المنان أن يعم الانتفاع به للخاصة والعامة من الاخوان وأن يسكنني به الفردوس في دار الامان إنه أكرم كريم وأرحم رحيم (بسم الله الرحمن الرحيم) أولف والاسم مشتق من السمو وهو العلو لا من الوسم وهو العلامة والله علم للذات الواجب الوجود وهو اسم جنس لكل معبود ثم عرف بأل وحذفت الهمزة ثم استعمل في المعبود بحق وهو الاسم الاعظم عند الاكثر ولم يسم به غيره ولو تعنتا والرحمن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ولقولهم رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الاخرة (الحمد الله الذى هدانا) أي دلنا (لهذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) إليه والحمد هو الوصف بالجميل (والصلاة) وهي من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم (والسلام) أي التسليم من كل آفة ونقص (على سيدنا محمد رسول الله) لكافة الثقلين الجن والانس إجماعا وكذا الملائكة على ما قاله جمع محققون ومحمد علم منقول من اسم المفعول المضعف موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة سمى به نبينا صلى الله عليه واله وسلم بإلهام من الله لجده والرسول من البشر ذكر حر أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ كيوشع عليه السلام فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي والرسول أفضل من النبي إجماعا وصح خبر أن عدد الانبياء عليهم الصلاة والسلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وأن عدد الرسل ثلثمائة وخمسة عشر (وعلى آله) أي أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب وقيل هم كل مؤمن أي في مقام الدعاء ونحوه واختير لخبر ضعيف فيه وجزم به النووي في شرح مسلم (وصحبه) وهو اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي وهو من اجتمع مؤمنات بنبينا صلى الله عليه واله وسلم ولو أعمى وغير مميز (الفائزين برضا الله) تعالى صفة لمن ذكر (وبعد) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر (فهذا) المؤلف الحاضر ذهنا (مختصر) قل لفظه وكثر معناه من الاختصار (في الفقه) هو لغة الفهم واصطلاحا العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية واستمداده من الكتاب والسنة والاجماع والقياس وفائدته امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه (على مذهب الامام) المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي رحمه الله تعالى) ورضى عنه أي ما ذهب إليه من الاحكام في المسائل. إدريس والده هو ابن عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وشافع وهو الذي ينسب إليه الامام وأسلم هو وأبوه السائب يوم بدر وولد إمامنا رضى الله عنه سنة خمسين ومائة وتوفي يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين (وسميته بقرة العين) ببيان (مهمات) أحكام (الدين) انتخبته وهذا الشرح من الكتب المعتمدة لشيخنا خاتمة المحققين شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى وبقية المجتهدين مثل وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد الزبيدى رضى الله عنهما وشيخي مشايخنا شيخ الاسلام المجدد زكريا الانصاري الامام الامجد أحمد المزجد الزبيدى رحمهما الله تعالى وغير هم من محققي المتأخرين معتمدا على ما جزم به شيخا المذهب النووي والرافعي فالنووي فمحققو المتأخرين رضى الله عنهم (راجيا من) ربنا (الرحمن أن ينتفع به الاذكياء) أي العقلاء (وأن تقر به) بسببه (عيني غدا) أي اليوم الاخر (بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا) آمين
(باب الصلاة)
هي شرعا أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وسميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة وهي الدعاء والمفروضات العينية خمس في كل يوم وليلة معلومة من الدين بالضرورة فيكفر جاحدها ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم وفرضت ليلة الاسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها
(إنما تجب المكتوبة) أي الصلوات الخمس (على) كل (مسلم مكلف) أي بالغ عاقل ذكر أو غيره (طاهر) فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد، لعدم تكليفهم ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما ولا قضاء عليهما بل تجب على مرتد ومتعد بسكر
(ويقتل) أي (المسلم) المكلف الطاهر حدا بضرب عنقه (إن أخرجها) أي المكتوبة عامدا (عن وقت جمع) لها إن كان كسلا مع اعتقاد وجوبها (إن لم يتب) بعد الاستتابة وعلى ندب الاستتابة لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم ويقتل كفرا إن تركها جاحدا وجوبها فلا يغسل ولا يصلى عليه
(ويبادر) من مر (بفائت) وجوبا إن فات بلا عذر فيلزمه القضاء فورا قال شيخنا أحمد بن حجر رحمه الله تعالى والذي يظهر أنه يلزمه صرف جميع زمنه للقضاء ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد منه وأنه يحرم عليه التطوع ويبادر به ندبا إن فات بعذر كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك
(ويسن ترتيبه) أي الفائت، فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا (وتقديمه على حاضرة لا يخاف فوتها) إن فات بعذر وإن خشي فوت جماعتها على المعتمد وإذا فات بلا عذر فيجب تقديمه عليها أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها وإن قل خارج الوقت فيلزمه البدء بها ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر وإن فقد الترتيب لانه سنة والبدار واجب ويندب تأخير الرواتب عن الفوائت بعذر ويجب تأخيرها عن الفوائت بغير عذر
(تنبيه) من مات وعليه صلاة فرض لم تقض ولم تفد عنه وفي قول أنها تفعل عنه أوصى بها أم لا حكاه العبادي عن الشافعي لخبر فيه وفعل به السبكي عن بعض أقاربه
(ويؤمر) ذو صبا ذكر أو انثى (مميز) بأن صار يأكل ويشرب ويستنجي وحده أي يجب على كل من أبويه وإن علا ثم الوصي وعلى مالك الرقيق أن يأمر (بها) أي الصلاة، ولو قضاء وبجميع شروطها (لسبع) أي بعد سبع من السنين أي عند تمامها وإن ميز قبلها وينبغي مع صيغة الامر التهديد
(ويضرب) ضربا غير مبرح وجوبا ممن ذكر (عليها) أي على تركها ولو قضاء أو ترك شرطا من شروطها (لعشر) أي بعد استكمالها للحديث الصحيح مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها (كصوم أطاقه) فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليتعودها فلا يتركها وبحث الاذرعي في قن صغير كافر نطق بالشهادتين أنه يؤمر ندبا بالصلاة والصوم ويحث عليهما من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه وإن أبى القياس ذلك انتهى. ويجب أيضا على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات ونحوها من سائر الشرائع الظاهرة ولو سنة كسواك وأمره بذلك ولا ينتهي وجوب ما مر على من مر إلا ببلوغه رشيدا وأجرة تعليمه ذلك كالقرآن والآداب في ماله ثم على أبيه ثم على أمه
(تنبيه) ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج وقضيته وجوب ضربها ولو في الكبيرة كما صرح به جمال الاسلام البزري قال شيخنا وهو ظاهر إن لم يخش نشوزا وأطلق الزركشي الندب
(وأول واجب) حتى على الامر بالصلاة كما قالوا (على الآباء) ثم على من مر (تعليمه) أي المميز (أن نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم بعث بمكة) وولد بها (ودفن بالمدينة) ومات بها
( فصل في شروط الصلاة )
الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة وليس منها وقدمت الشروط على الاركان لانها أولى بالتقديم إذ الشرط ما يجب تقديمه على الصلاة واستمراره فيها (شروط الصلاة خمسة أحدها طهارة عن حدث وجنابة) الطهارة لغة النظافة والخلوص من الدنس وشرعا رفع المنع المترتب على الحدث أو النجس (فالاولى) أي الطهارة عن الحدث (الوضوء) هو بضم الواو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية وبفتحها ما يتوضأ به وكان ابتداء وجوبه مع ابتداء وجوب المكتوبة ليلة الاسراء
(وشروطه) أي الوضوء كشروط الغسل خمسة :أحدها (ماء مطلق) فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس ولا يحصل سائر الطهارة ولو مسنونة إلا الماء المطلق وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد وإن رشح من بخار الماء الطهور المغلى أو استهلك فيه الخليط أو قيد بموافقة الواقع كماء البحر بخلاف ما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد (غير مستعمل في) فرض طهارة من (رفع حدث) أصغر أو أكبر ولو من طهر حنفي لم ينو أو صبي لم يميز لطواف (و) إزالة (نجس) ولو معفوا عنه (قليلا) أي حال كون المستعمل قليلا أي دون القلتين
فإن جمع المستعمل فبلغ قلتين فمطهر كما لو جمع المتنجس فبلغ قلتين ولم يتغير وإن قل بعد تفريقه. فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء أي وبعد فصله عن المحل المستعمل ولو حكما كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لاخرى. نعم. لا يضر في المحدث انفصال الماء من الكف إلى الساعد ولا في الجنب انفصاله من الرأس إلى نحو الصدر مما يغلب فيه التقاذف
{ فرع }
لو أدخل المتوضئ يده بقصد الغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب، أو تثليث وجه المحدث، أو بعد الغسلة الاولى، إن قصد الاقتصار عليها، بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها باقي ساعدها
(و) غير (متغير) تغيرا (كثيرا) بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه، بأن تغير أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح، ولو تقديريا أو كان التغير بما على عضو المتطهر في الاصح.
وإنما يؤثر التغير إن كان (بخليط) أي مخالطا للماء، وهو ما لا يتميز في رأي العين (طاهر) وقد (غني) الماء (عنه) كزعفران، وثمر شجر نبت قرب الماء، وورق طرح ثم تفتت لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه.
ولا يضر تغير لا يمنع الاسم لقلته ولو احتمالا، بأن شك أهو كثير أو قليل. وخرج بقولي بخليط المجاور، وهو ما يتميز للناظر، كعود ودهن ولو مطيبين، ومنه البخور وإن كثر وظهر نحو ريحه، خلافا لجمع. ومنه أيضا ماء أغلي فيه نحو بر وتمر حيث لم يعلم انفصال عين فيه مخالطة، بأن لم يصل إلى حد بحيث يحدث له اسم آخر كالمرقة
ولو شك في شئ أمخالط هو أم مجاور، له حكم المجاور. وبقولي غني عنه ما لا يستغنى عنه، كما في مقرة وممره، من نحو طين وطحلب متفتت وكبريت، وكالتغير بطول المكث أو بأوراق متناثرة بنفسها وإن تفتتت وبعدت الشجرة عن الماء
(أو بنجس) وأن قل التغير. (ولو كان) الماء (كثيرا) أي قلتين أو أكثر في صورتي التغير بالطاهر والنجس
والقلتان بالوزن: خمسمائة رطل بغدادي تقريبا، وبالمساحة في المربع: ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، بذراع اليد المعتدلة. وفي المدور: ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي، وذراعان عمقا بذراع النجار، وهو ذراع وربع
ولا تنجس قلتا ماء ولو احتمالا، كأن شك في ماء أبلغهما أم لا، وإن تيقنت قلته قبل بملاقاة نجس ما لم يتغير به، وإن استهلكت النجاسة فيه ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير. ولو بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهي نجسة إن تحقق أنها من عين النجاسة، أو من المتغير أحد أوصافه بها، وإلا فلا. ولو طرحت فيه بعرة، فوقعت من أجل الطرح قطرة على شئ لم تنجسه، وينجس قليل الماء - وهو ما دون القلتين - حيث لم يكن واردا بوصول نجس إليه يرى بالبصر المعتدل، غير معفو عنه في الماء، ولو معفوا عنه في الصلاة، كغيره من رطب ومائع، وإن كثر. لا بوصول ميتة لا دم لجنسها سائل عند شق عضو منها، كعقرب ووزغ، إلا إن تغير ما أصابته - ولو يسيرا - فحينئذ ينجس. لا سرطان وضفدع فينجس بهما، خلافا لجمع، ولا بميتة كان نشؤها من الماء كالعلق، ولو طرح فيه ميتة من ذلك نجس، وإن كان الطارح غير مكلف، ولا أثر لطرح الحي مطلقا. واختار كثيرون من أئمتنا مذهب مالك: أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير، والجاري كراكد وفي القديم: لا ينجس قليله بلا تغير، وهو مذهب مالك. قال في المجموع: سواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة. والماء القليل إذا تنجس يطهر ببلوغه قلتين - ولو بماء متنجس - حيث لا تغير به، والكثير يطهر بزوال تغيره بنفسه أو بماء زيد عليه أو نقص عنه وكان الباقي كثيرا
(و) ثانيها: (جري ماء على عضو) مغسول، فلا يكفي أن يمسه الماء بلا جريان لانه لا يسمى غسلا. (و) ثالثها: (أن لا يكون عليه) أي على العضو (مغير للماء تغيرا ضارا) كزعفران وصندل، خلافا لجمع. (و) رابعها: (أن لا يكون على العضو حائل) بين الماء والمغسول، (كنورة) وشمع ودهن جامد وعين حبر وحناء، بخلاف دهن جار أي مائع - وإن لم يثبت الماء عليه - وأثر حبر وحناء. وكذا يشترط - على ما جزم به كثيرون - أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته، خلافا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما، وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين. وأشار الاذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم. وقد صرح في التتمة وغيرها، بما في الروضة وغيرها، من عدم المسامحة بشئ مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله. وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء، بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد. وجزم به في الانوار
(و) خامسها: (دخول وقت لدائم حدث) كسلس ومستحاضة. ويشترط له أيضا ظن دخوله، فلا يتوضأ - كالمتيمم - لفرض أو نفل مؤقت قبل وقت فعله، ولصلاة جنازة قبل الغسل، وتحية قبل دخول المسجد، وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض، ولزم وضوآن أو تيممان على خطيب دائم الحدث، أحدهما: للخطبتين والآخر بعدهما لصلاة جمعة، ويكفي واحد لهما لغيره، ويجب عليه الوضوء لكل فرض - كالتيمم وكذا غسل الفرج وإبدال القطنة التي بفمه والعصابة، وإن لم تزل عن موضعها. وعلى نحو سلس مبادرة بالصلاة، فلو أخر لمصلحتها كانتظار جماعة أو جمعة وإن أخرت عن أول الوقت وكذهاب إلى مسجد لم يضره
(وفروضه ستة) أحدها: (نية) وضوء أو أداء (فرض وضوء) أو رفع حدث لغير دائم حدث، حتى في الوضوء المجدد أو الطهارة عنه، أو الطهارة لنحو الصلاة، مما لا يباح إلا بالوضوء، أو استباحة مفتقر إلى وضوء كالصلاة ومس المصحف. ولا تكفي نية استباحة ما يندب له الوضوء، كقراءة القرآن أو الحديث، وكدخول مسجد وزيارة قبر. والاصل في وجوب النية خبر، إنما الاعمال بالنيات. أي إنما صحتها لا كمالها
ويجب قرنها (عند) أول (غسل) جزء من (وجه)، فلو قرنها بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها. ولا يكفي قرنها بما قبله حيث لم يستصحبها إلى غسل شئ منه، وما قارنها هو أوله، فتفوت سنة المضمضة إن انغسل معها شئ من الوجه - كحمرة الشفة - بعد النية فالاولى أن يفرق النية بأن ينوي عند كل من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق سنة الوضوء، ثم فرض الوضوء عند غسل الوجه، حتى لا تفوت فضيلة استصحاب النية من أوله. وفضيلة المضمضة والاستنشاق مع انغسال حمرة الشفة
(و) ثانيها: (غسل) ظاهر (وجهه) لآ ية: * (فاغسلوا وجوهكم) * (وهو) طولا (ما بين منابت) شعر (رأسه) غالبا (و) تحت (منتهى لحييه) - بفتح اللام - فهو من الوجه دون ما تحته، والشعر النابت على ما تحته، (و) عرضا (ما بين أذنيه). ويجب غسل شعر الوجه من هدب وحاجب وشارب وعنفقة ولحية - وهي ما نبت على الذقن - وهو مجتمع اللحيين - وعذار - وهو ما نبت على العظم المحاذي للاذن - وعارض - وهو ما انحط عنه إلى اللحية -. ومن الوجه حمرة الشفتين وموضع الغمم - وهو ما نبت عليه الشعر من الجبهة - دون محل التحذيف على الاصح، وهو ما نبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة - ودون وتد الاذن والنزعتين - وهما بياضان يكتنفان الناصية - وموضع الصلع - وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر -. ويسن غسل كل ما قيل إنه ليس من الوجه
ويجب غسل ظاهر وباطن كل من الشعور السابقة - وإن كثف - لندرة الكثافة فيها، لا باطن كثيف لحية وعارض, والكثيف ما لم تر البشرة من خلاله في مجلس التخاطب عرفا. ويجب غسل ما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله، لان ما لا يتم الواجب إلا به واجب
(و) ثالثها: (غسل يديه) من كفيه وذراعيه (بكل مرفق) للآية. ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من شعر وظفر، وإن طال
{ فرع }
لو نسي لمعة فانغسلت في تثليث، أو إعادة وضوء لنسيان له، لا تجديد واحتياط، أجزأه
(و) رابعها: (مسح بعض رأسه) كالنزعة والبياض الذي وراء الاذن بشر أو شعر في حده، ولو بعض شعرة واحدة، للآية. قال البغوي: ينبغي أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية، وهي ما بين النزعتين، لانه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم لم يمسح أقل منها، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، والمشهور عنه وجوب مسح الربع. (و) خامسها: (غسل رجليه) بكل كعب من كل رجل، للآية. أو مسح خفيهما بشروطه
ويجب غسل باطن ثقب وشق. { فرع } لو دخلت شوكة في رجله وظهر بعضها، وجب قلعها وغسل محلها لانه صار في حكم الظاهر، فإن استترت كلها صارت في حكم الباطن فيصح وضوؤه. ولو تنفط في رجل أو غيره لم يجب غسل باطنه ما لم يتشقق، فإن تشقق وجب غسل باطنه ما لم يرتتق
{ تنبيه }
ذكروا في الغسل أنه يعفى عن باطن عقد الشعر أي إذا انعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكن إزالته. وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا الانصاري بأنه لا يلحق بها، بل عليه التيمم. لكن قال تلميذه - شيخنا -: والذي يتجه العفو للضرورة
(و) سادسها: (ترتيب) كما ذكر من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين للاتباع. ولو انغمس محدث، ولو في ماء قليل بنية معتبرة مما مر أجزأه عن الوضوء، ولو لم يمكث في الانغماس زمنا يمكن فيه الترتيب. نعم، لو اغتسل بنيته فيشترط فيه الترتيب حقيقة، ولا يضر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء، بل لو كان على ما عدا أعضائه، مانع كشمع لم يضر - كما استظهره شيخنا -. ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما بنيته. ولا يجب تيقن عموم الماء جميع العضو بل يكفي غلبة الظن به
{ فرع }
لو شك المتوضئ أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره. وكذا ما بعده في الوضوء، أو بعد الفراغ من طهره، لم يؤثر, ولو كان الشك في النية لم يؤثر أيضا على الاوجه، كما في شرح المنهاج لشيخنا، وقال: فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع: أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه. فليحمل كلامهم الاول على الشك في أصل العضو لا بعضه
(وسن) للمتوضئ - ولو بماء مغصوب على الاوجه - (تسمية أوله) أي أول الوضوء - للاتباع - وأقلها باسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم. وتجب عند أحمد، ويسن قبلها التعوذ وبعدها الشهادتان والحمد لله الذي جعل الماء طهورا. ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه قائلا: باسم الله أوله وآخره. لا بعد فراغه. وكذا في نحو الاكل والشرب والتأليف، والاكتحال مما يسن له التسمية. والمنقول عن الشافعي وكثير من الاصحاب أن أول السنن التسمية، وبه جزم النووي في المجموع وغيره. فينوي معها عند غسل اليدين. وقال جمع متقدمون: إن أولها السواك ثم بعده التسمية. { فرع } تسن التسمية لتلاوة القرآن، ولو من أثناء سورة في صلاة أو خارجها، ولغسل وتيمم وذبح
(فغسل الكفين) معا إلى الكوعين مع التسمية المقترنة بالنية، وإن توضأ من نحو إبريق أو علم طهرهما - للاتباع – (فسواك) عرضا في الاسنان ظاهرا وباطنا وطولا في اللسان، للخبر الصحيح: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء. أي أمر إيجاب. ويحصل (بكل خشن) ولو بنحو خرقة أو أشنان، والعود أفضل من غيره، وأولاه ذو الريح الطيب، وأفضله الاراك. لا بأصبعه ولو خشنة، خلافا لما اختاره النووي. وإنما يتأكد السواك - ولو لمن لا أسنان له - لكل وضوء. (ولكل صلاة) فرضها ونفلها وإن سلم من كل ركعتين أو استاك لوضوئها، وإن لم يفصل بينهما فاصل حيث لم يخش تنجس فمه، وذلك لخبر الحميدي بإسناد جيد: ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك. ولو تركه أولها تداركه أثناءها بفعل قليل، كالتعمم، ويتأكد أيضا لتلاوة قرآن أو حديث أو علم شرعي، أو تغير فم - ريحا أو لونا - بنحو نوم أو أكل كريه، أو سن بنحو صفرة، أو استيقاظ من نوم وإرادته، ودخول مسجد ومنزل، وفي السحر وعند الاحتضار، كما دل عليه خبر الصحيحين. ويقال: إنه يسهل خروج الروح. وأخذ بعضهم من ذلك تأكده للمريض. وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ليثاب عليه، ويبلع ريقه أول استياكه، وأن لا يمصه. ويندب التخليل قبل السواك أو بعده من أثر الطعام، والسواك أفضل منه، خلافا لمن عكس. ولا يكره بسواك غيره إن أذن أو علم رضاه، وإلا حرم، كأخذه من ملك الغير، ما لم تجر عادة بالاعراض عنه. ويكره للصائم بعد الزوال، إن لم يتغير فمه بنحو نوم
(فمضمضة فاستنشاق) للاتباع، وأقلهما إيصال الماء إلى الفم والانف. ولا يشترط في حصول أصل السنة إدارته في الفم ومجه منه ونثره من الانف، بل تسن كالمبالغة فيهما لمفطر للامر بها. (و) يسن جمعهما (بثلاث غرف) يتمضمض ثم يستنشق من كل منها. (ومسح كل رأس) للاتباع وخروجا من خلاف مالك وأحمد، فإن اقتصر على البعض فالاولى أن يكون هو الناصية، والاولى في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه، ملصقا مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما مع بقية أصابعه غير الابهامين لقفاه، ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب، وإلا فليقتصر على الذهاب. وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة تمم عليها بعد مسح الناصية - للاتباع – (و) مسح كل (الاذنين) ظاهرا وباطنا وصماخيه - للاتباع -، ولا يسن مسح الرقبة إذ لم يثبت فيه شيء. قال النووي: بل هو بدعة، وحديثه موضوع
(ودلك أعضاء) وهو إمرار اليد عليها عقب ملاقاتها للماء، خروجا من خلاف من أوجبه. (وتخليل لحية كثة) والافضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل، مع تفريقها، وبغرفة مستقلة - للاتباع – ويكره تركه. (و) تخليل (أصابع) اليدين بالتشبيك، والرجلين بأي كيفية كان. والافضل أن يخللها من أسفل بخنصر يده اليسرى، مبتدئا بخنصر يمنى رجليه ومختتما بخنصر يسريهما. (وإطالة الغرة) بأن يغسل مع الوجه مقدم رأسه وأذنيه وصفحتي عنقه. (و) إطالة (تحجيل) بأن يغسل مع اليدين بعض العضدين ومع الرجلين بعض الساقين، وغايته استيعاب العضد والساق، وذلك لخبر الشيخين: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. زاد مسلم: وتحجيله: أي يدعون بيض الوجوه والايدي والارجل. ويحصل أقل الاطالة بغسل أدنى زيادة على الواجب وكمالها باستيعاب ما مر
(وتثليث كل) من مغسول وممسوح، ودلك وتخليل وسواك وبسملة، وذكر عقبه، - للاتباع - في أكثر ذلك. ويحصل التثليث بغمس اليد مثلا ولو في ماء قليل إذا حركها مرتين، ولو رد ماء الغسلة الثانية حصل له أصل سنة التثليث - كما استظهره شيخنا – ولا يجزئ تثليث عضو قبل إتمام واجب غسله ولا بعد تمام الوضوء. ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة عليها، أي بنية الوضوء، كما بحثه جمع. وتحرم من ماء موقوف على التطهر
{ فرع }
يأخذ الشاك أثناء الوضوء في استيعاب أو عدد باليقين، وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، ولو في الماء الموقوف. أما الشك بعد الفراغ فلا يؤثر
(وتيامن) أي تقديم يمين على يسار في اليدين والرجلين، ولنحو أقطع في جميع أعضاء وضوئه، وذلك لانه صلي الله عليه وسلم كان يحب التيمن في تطهره وشأنه كله، أي مما هو من باب التكريم، كاكتحال ولبس نحو قميص ونعل، وتقليم ظفر، وحلق نحو رأس، وأخذ وإعطآء، وسواك وتخليل، ويكره تركه، ويسن التياسر في ضده - وهو ما كان من باب الاهانة والاذى - كاستنجاء وامتخاط، وخلع لباس ونعل
ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه وأطراف يديه ورجليه، وإن صب عليه غيره. وأخذ الماء إلى الوجه بكفيه معا، ووضع ما يغترف منه عن يمينه وما يصب منه عن يساره
(وولاء) بين أفعال وضوء السليم بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله، وذلك - للاتباع - وخروجا من خلاف من أوجبه، ويجب لسلس. (وتعهد) عقب و (موق) - وهو طرف العين الذي يلي الانف - ولحاظ - وهو الطرف الآخر - بسبابتي شقيهما. ومحل ندب تعهدهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله وإلا فتعهدهما واجب - كما في المجموع -. ولا يسن غسل باطن العين، بل قال بعضهم: يكره للضرر، وإنما يغسل إذا تنجس لغلظ أمر النجاسة. (واستقبال) القبلة في كل وضوئه. (وترك تكلم) في أثناء وضوئه بلا حاجة بغير ذكر، ولا يكره سلام عليه ولا منه ولا رده. (و) ترك (تنشيف) بلا عذر للاتباع
(والشهادتان عقبه) أي الوضوء، بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا، فيقول مستقبلا للقبلة، رافعا يديه وبصره إلى السماء - ولو أعمى -: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. لما روى مسلم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله - الخ - فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء. زاد الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وروى الحاكم وصححه: من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك. كتب في رق، ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة. أي لم يتطرق إليه إبطال كما صح حتى يرى ثوابه العظيم. ثم يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، ويقرأ * (إنا أنزلناه) * ثلاثا، كذلك بلا رفع يد. وأما دعاء الاعضاء المشهور فلا أصل له يعتد به فلذلك حذفته، تبعا لشيخ المذهب النووي رضي الله عنه. وقيل: يستحب أن يقول عند كل عضو: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. لخبر رواه المستغفري وقال: حسن غريب
(وشربه) من (فضل وضوئه) لخبر: إن فيه شفاء من كل داء ويسن رش إزاره به، أي إن توهم حصول مقذر له، كما استظهره شيخنا. وعليه يحمل رشه صلي الله عليه وسلم لازاره به. وركعتان بعد الوضوء أي بحيث تنسبان إليه عرفا، فتفوتان بطول الفصل عرفا على الاوجه، وعند بعضهم بالاعراض، وبعضهم بجفاف الاعضاء، وقيل: بالحدث. ويقرأ ندبا في أولى ركعتيه بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) * وفي الثانية: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *. { فائدة } يحرم التطهر بالمسبل للشرب، وكذا بماء جهل حاله على الاوجه، وكذا حمل شئ من المسبل إلى غير محله
(وليقتصر) أي المتوضئ، (حتما) أي وجوبا، (على) غسل أو مسح (واجب) أي فلا يجوز تثليث ولا إتيان سائر السنن (لضيق وقت) عن إدراك الصلاة كلها فيه، كما صرح به البغوي وغيره، وتبعه المتأخرون. لكن أفتى في فوات الصلاة لو أكمل سننها بأن يأتيها، ولو لم يدرك ركعة. وقد يفرق بأنه ثم اشتغل بالمقصود، فكان كما لو مد في القراءة. (أو قلة ماء) بحيث لا يكفي إلا الفرض. فلو كان معه ماء لا يكفيه لتتمة طهره. إن ثلث أو أتى السنن أو احتاج إلى الفاضل لعطش محترم، حرم استعماله في شئ من السنن. وكذا يقال في الغسل. (وندبا) على الواجب بترك السنن، (لادراك جماعة) لم يرج غيرها. نعم، ما قيل بوجوبه - كالدلك - ينبغي تقديمه عليها، نظير ما مر من ندب تقديم الفائت بعذر على الحاضرة، وإن فاتت الجماعة
{ تتمة }
يتيمم عن الحدثين لفقد ماء أو خوف محذور من استعماله بتراب طهور له غبار. وأركانه نية استباحة الصلاة المفروضة مقرونة بنقل التراب، ومسح وجهه ثم يديه. ولو تيقن ماء آخر الوقت فانتظاره أفضل، وإلا فتعجيل تيمم. وإذا امتنع استعماله في عضو وجب تيمم وغسل صحيح ومسح كل الساتر الضار نزعه بماء، ولا ترتيب بينهما لجنب. أو عضوين فتيممان، ولا يصلي به إلا فرضا واحدا ولو نذرا. وصح جنائز مع فرض
(ونواقضه) أي أسباب نواقض الوضوء أربعة: أحدها: (تيقن خروج شيء) غير منيه، عينا كان أو ريحا، رطبا أو جافا، معتادا كبول أو نادرا كدم باسور أو غيره، انفصل أو لا - كدودة أخرجت رأسها ثم رجعت - (من أحد سبيلي) المتوضئ (الحي) دبرا كان أو قبلا. (ولو) كان الخارج (باسورا) نابتا داخل الدبر فخرج أو زاد خروجه. لكن أفتى العلامة الكمال الرداد بعدم النقض بخروج الباسور نفسه بل بالخارج منه كالدم. وعن مالك: لا ينتقض الوضوء بالنادر
(و) ثانيها: (زوال عقل) أي تمييز، بسكر أو جنون أو إغماء أو نوم، للخبر الصحيح: فمن نام فليتوضأ. وخرج بزوال العقل النعاس وأوائل نشأة السكر، فلا نقض بهما، كما إذا شك هل نام أو نعس ؟ ومن علامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه، (لا) زواله (بنوم) قاعد (ممكن مقعده) أي ألييه من مقره، وإن استند لما لو زال سقط أو احتبى، وليس بين مقعده ومقره تجاف. وينتقض وضوء ممكن انتبه بعد زوال أليته عن مقره، لا وضوء شاك هل كان ممكنا أو لا ؟ أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها ؟.. وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه مع الشك فيه لانها مرجحة لاحد طرفيه
(و) ثالثها: (مس فرج آدمي) أو محل قطعه، ولو لميت أو صغير، قبلا كان الفرج أو دبرا متصلا أو مقطوعا، إلا ما قطع في الختان. والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها. نعم، يندب الوضوء من مس نحو العانة، وباطن الالية، والانثيين، وشعر نبت فوق ذكر، وأصل فخذ، ولمس صغيرة وأمرد وأبرص ويهودي، ومن نحو فصد، ونظر بشهوة ولو إلى محرم، وتلفظ بمعصية، وغضب، وحمل ميت ومسه، وقص ظفر وشارب، وحلق رأسه. وخرج بآدمي فرج البهيمة إذ لا يشتهى، ومن ثم جاز النظر إليه. (ببطن كف) لقوله صلي الله عليه وسلم من مس فرجه، وفي رواية: من مس ذكرا فليتوضأ. وبطن الكف هو بطن الراحتين وبطن الاصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما، مع يسير تحامل .دون رؤوس الاصابع وما بينها وحرف الكف
(و) رابعها: (تلاقي بشرتي ذكر وأنثى) ولو بلا شهوة، وإن كان أحدهما مكرها أو ميتا، لكن لا ينقض وضوء الميت. والمراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر - قاله شيخنا - وغير باطن العين، وذلك لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * أي لمستم. ولو شك هل ما لمسه شعر أو بشرة، لم ينتقض، كما لو وقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة رجل أو امرأة، أو شك: هل لمس محرما أو أجنبية ؟ وقال شيخنا في شرح العباب: ولو أخبره عدل بلمسها له، أو بنحو خروج ريح منه في حال نومه ممكنا، وجب عليه الاخذ بقوله. (بكبر) فيهما، فلا نقض بتلاقيهما مع صغر فيهما، أو في أحدهما، لانتفاء مظنة الشهوة. والمراد بذي الصغر: من لا يشتهى عرفا غالبا. (لا) تلاقي بشرتيهما (مع محرمية) بينهما، بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لانتفاء مظنة الشهوة. ولو اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات فلمس واحدة منهن لم ينتقض، وكذا بغير محصورات على الاوجه
(ولا يرتفع يقين وضوء أو حدث بظن ضده) ولا بالشك فيه المفهوم بالاولى فيأخذ باليقين استصحابا له
{ خاتمة }
يحرم بالحدث: صلاة وطواف وسجود، وحمل مصحف، وما كتب لدرس قرآن ولو بعض آية كلوح. والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحالة الكتابة دون ما بعدها، وبالكاتب لنفسه أو لغيره تبرعا، وإلا فآمره لا حمله مع متاع، والمصحف غير مقصود بالحمل، ومس ورقه، ولو البياض أو نحو ظرف أعد له وهو فيه، لا قلب ورقه بعود إذا لم ينفصل عليه، ولا مع تفسير زاد ولو احتمالا. ولا يمنع صبي مميز محدث - ولو جنبا - حمل ومس نحو مصحف لحاجة تعلمه ودرسه ووسيلتهما، كحمله للمكتب والاتيان به للمعلم ليعلمه منه. ويحرم تمكين غير المميز من نحو مصحف، ولو بعض آية، وكتابته بالعجمية، ووضع نحو درهم في مكتوبه، وعلم شرعي. وكذا جعله بين أوراقه - خلافا لشيخنا – وتمزيقه عبثا، وبلع ما كتب عليه لا شرب محوه، ومد الرجل للمصحف ما لم يكن على مرتفع. ويسن القيام له كالعالم بل أولى، ويكره حرق ما كتب عليه إلا لغرض نحو صيانة، فغسله أولى منه. ويحرم بالجنابة المكث في المسجد وقراءة قرآن بقصده، ولو بعض آية، بحيث يسمع نفسه - ولو صبيا - خلافا لما أفتى به النووي. وبنحو حيض، لا بخروج طلق، صلاة وقراءة وصوم. ويجب قضاؤه لا الصلاة، بل يحرم قضاؤها على الاوجه
(و) الطهارة (الثانية: الغسل) هو لغة: سيلان الماء على الشيء. وشرعا: سيلانه على جميع البدن بالنية. ولا يجب فورا وإن عصى بسببه، بخلاف نجس عصى بسببه. والاشهر في كلام الفقهاء ضم غينه، لكن الفتح أفصح، وبضمها مشترك بين الفعل وماء الغسل
(وموجبه) أربعة: أحدها (خروج منيه أولا) ويعرف بأحد خواصه الثلاث: من تلذذ بخروجه، أو تدفق، أو ريح عجين رطبا وبياض بيض جافا. فإن فقدت هذه الخواص فلا غسل. نعم، لو شك في شيء أمني هو أو مذي ؟ تخير ولو بالتشهي. فإن شاء جعله منيا واغتسل، أو مذيا وغسله وتوضأ. ولو رأى منيا مجففا في نحو ثوبه لزمه الغسل وإعادة كل صلاة تيقنها بعده، ما لم يحتمل عادة كونه من غيره
(و) ثانيها: (دخول حشفة) أو قدرها من فاقدها، ولو كانت من ذكر مقطوع أو من بهيمة أو ميت. (فرجا) قبلا أو دبرا، (ولو لبهيمة) كسمكة أو ميت، ولا يعاد غسله لانقطاع تكليفه
(و) ثالثها: (حيض) أي انقطاعه، وهو دم يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة. (وأقل سنة تسع سنين قمرية) أي استكمالها. نعم، إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما فهو حيض، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما، كأقل طهر بين الحيضتين. ويحرم به ما يحرم بالجنابة، ومباشرة ما بين سرتها وركبتها. وقيل: لا يحرم غير الوطئ. واختاره النووي في التحقيق، لخبر مسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. وإذا انقطع دمها حل لها قبل الغسل صوم لا وطئ، خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي رحمه الله
(و) رابعها: (نفاس) أي انقطاعه، وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم، وأقله لحظة، وغالبه أربعون يوما، وأكثره ستون يوما. ويحرم به ما يحرم بالحيض، ويجب الغسل أيضا بولادة ولو بلا بلل، وإلقاء علقة ومضغة، وبموت مسلم غير شهيد
(وفرضه) - أي الغسل - شيئان: أحدهما (نية رفع الجنابة) للجنب، أو الحيض للحائض. أي رفع حكمه. (أو) نية (أداء فرض الغسل) أو رفع حدث، أو الطهارة عنه، أو أداء الغسل. وكذا الغسل للصلاة لا الغسل فقط. ويجب أن تكون النية (مقرونة بأوله) - أي الغسل - يعني بأول مغسول من البدن، ولو من أسفله. فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله. ولو نوى رفع الجنابة وغسل بعض البدن ثم نام فاستيقظ وأراد غسل الباقي لم يحتج إلى إعادة النية
(و) ثانيهما (تعميم) ظاهر (بدن حتى) الاظفار وما تحتها، و (الشعر) ظاهرا وباطنا وإن كثف، وما ظهر من نحو منبت شعرة زالت قبل غسلها، وصماخ وفرج امرأة عند جلوسها على قدميها، وشقوق (وباطن جدري) انفتح رأسه لا باطن قرحة برئت وارتفع قشرها ولم يظهر شيء مما تحته. ويحرم فتق الملتحم (وما تحت قلفة) من الاقلف فيجب غسل باطنها لانها مستحقة الازالة، لا باطن شعر انعقد بنفسه وإن كثر، ولا يجب مضمضة واستنشاق بل يكره تركهما. (بماء طهور) ومر أنه يضر تغير الماء تغيرا ضارا ولو بما على العضو، خلافا لجمع. (ويكفي ظن عمومه) - أي الماء - على البشرة والشعر وإن لم يتيقنه، فلا يجب تيقن عمومه بل يكفي غلبة الظن به فيه كالوضوء
(وسن) للغسل الواجب والمندوب (تسمية) أوله، (وإزالة قذر طاهر) كمني ومخاط، ونجس كمذي، وإن كفى لهما غسلة واحدة، وأن يبول من أنزل قبل أن يغتسل ليخرج ما بقي بمجراه. (ف) بعد إزالة القذر (مضمضة واستنشاق ثم وضوء) كاملا - للاتباع -، رواه الشيخان. ويسن له استصحابه إلى الفراغ، حتى لو أحدث، سن له إعادته. وزعم المحاملي اختصاصه بالغسل الواجب ضعيف، والافضل عدم تأخير غسل قدميه عن الغسل، كما صرح به في الروضة، وإن ثبت تأخيرهما في البخاري. ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده حصل له أصل السنة، لكن الافضل تقديمه، ويكره تركه. وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الاصغر، وإلا نوى به رفع الحدث الاصغر أو نحوه، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج. ولو أحدث بعد ارتفاع جنابة أعضاء الوضوء لزمه الوضوء مرتبا بالنية
(فتعهد معاطف) كالاذن والابط والسرة والموق ومحل شق، وتعهد أصول شعر، ثم غسل رأس بالافاضة بعد تخليله إن كان عليه شعر، ولا تيامن فيه لغير أقطع. ثم غسل شق أيمن ثم أيسر، ودلك لما تصله يده من بدنه، خروجا من خلاف من أوجبه. (وتثليث) لغسل جميع البدن، والدلك والتسمية والذكر عقبه، ويحصل في راكد بتحرك جميع البدن ثلاثا، وإن لم ينقل قدميه إلى موضع آخر، على الاوجه (واستقبال) للقبلة وموالاة، وترك تكلم بلا حاجة، وتنشيف بلا عذر. وتسن الشهادتان المتقدمتان في الوضوء مع ما معهما عقب الغسل، وأن لا يغتسل لجنابة أو غيرها، كالوضوء في ماء راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جار
{ فرع }
لو اغتسل لجنابة ونحو جمعة بنيتهما حصلا، وإن كان الافضل إفراد كل بغسل، أو لاحدهما حصل فقط (ولو أحدث ثم أجنب كفى غسل واحد) وإن لم ينو معه الوضوء ولا رتب أعضاءه { فرع } يسن لجنب وحائض ونفساء بعد انقطاع دمهما غسل فرج ووضوء لنوم وأكل وشرب، ويكره فعل شيء من ذلك بلا وضوء. وينبغي أن لا يزيلوا قبل الغسل شعرا أو ظفرا، وكذا دما، لان ذلك يرد في الآخرة جنبا
(وجاز تكشف له) أي للغسل، (في خلوة) أو بحضرة من يجوز نظره إلى عورته كزوجة وأمة، والستر أفضل. وحرم إن كان ثم من يحرم نظره إليها، كما حرم في الخلوة بلا حاجة وحل فيها لادنى غرض، كما يأتي
(وثانيها) أي ثاني شروط الصلاة. (طهارة بدن) ومنه داخل الفم والانف والعين. (وملبوس) وغيره من كل محمول له، وإن لم يتحرك بحركته. (ومكان) يصلى فيه (عن نجس) غير معفو عنه، فلا تصح الصلاة معه، ولو ناسيا أو جاهلا بوجوده، أو بكونه مبطلا، لقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * ولخبر الشيخين. ولا يضر محاذاة نجس لبدنه، لكن تكره مع محاذاته، كاستقبال نجس أو متنجس. والسقف كذلك إن قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا. (ولا يجب اجتناب النجس) في غير الصلاة، ومحله في غير التضمخ به في بدن أو ثوب، فهو حرام بلا حاجة، وهو شرعا مستقذر، يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، فهو (كروث وبول ولو) كانا من طائر وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة، أو (من مأكول) لحمه على الاصح. قال الاصطخري والروياني من أئمتنا، كمالك وأحمد: إنهما طاهران من المأكول
ولو راثت أو قاءت بهيمة حيا، فإن كان صلبا بحيث لو زرع نبت، فمتنجس يغسل ويؤكل، وإلا فنجس. ولم يبينوا حكم غير الحب. قال شيخنا: والذي يظهر أنه إن تغير عن حاله قبل البلع ولو يسيرا فنجس، وإلا فمتنجس. وفي المجموع عن شيخ نصر: العفو عن بول بقر الدياسة على الحب. وعن الجويني: تشديد النكير على البحث عنه وتطهيره. وبحث الفزاري العفو عن بعر الفأرة إذا وقع في مائع وعمت البلوى به. وأما ما يوجد على ورق بعض الشجر كالرغوة فنجس، لانه يخرج من باطن بعض الديدان، كما شوهد ذلك وليس العنبر روثا، خلافا لمن زعمه، بل هو نبات في البحر (ومذي) بمعجمة، للامر بغسل الذكر منه، وهو ماء أبيض أو أصفر رقيق، يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية. (وودي) بمهملة، وهو ماء أبيض كدر ثخين، يخرج غالبا عقب البول أو عند حمل شيء ثقيل
(ودم) حتى ما بقي على نحو عظم، لكنه معفو عنه. واستثنوا منه الكبد والطحال والمسك، أي ولو من ميت، إن انعقد. والعلقة والمضغة، ولبنا خرج بلون دم، ودم بيضة لم تفسد. (وقيح) لانه دم مستحيل، وصديد: وهو ماء رقيق يخالطه دم، وكذا ماء جرح. وجدري ونفط إن تغير، وإلا فماؤها طاهر (وقئ معدة) وإن لم يتغير، وهو الراجع بعد الوصول للمعدة ولو ماء، أما الراجع قبل الوصول إليها يقينا أو احتمالا فلا يكون نجسا ولا متنجسا، خلافا للقفال. وأفتى شيخنا أن الصبي إذا ابتلي بتتابع القئ عفي عن ثدي أمه الداخل في فيه، لا عن مقبله أو مماسه، وكمرة ولبن غير مأكول إلا الآدمي، وجرة نحو بعير. أما المني فطاهر، خلافا لمالك. وكذا بلغم غير معدة من رأس أو صدر وماء سائل من فم نائم، ولو نتنا أو أصفر، ما لم يتحقق أنه من معدة، إلا ممن ابتلي به فيعفى عنه وإن كثر
ورطوبة فرج، أي قبل على الاصح. وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق، يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، وما يخرج من وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا، ككل خارج من الباطن، وكالماء الخارج مع الولد أو قبله، ولا فرق بين انفصالها وعدمه على المعتمد. قال بعضهم: الفرق بين الرطوبة الطاهرة والنجسة الاتصال والانفصال. فلو انفصلت، ففي الكفاية عن الامام أنها نجسة، ولا يجب غسل ذكر المجامع والبيض والولد. وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور لمبتلى بها
وكذا بيض غير مأكول، ويحل أكله على الاصح. وشعر مأكول وريشه إذا أبين في حياته. ولو شك في شعر أو نحوه، أهو من مأكول أو غيره ؟ أو هل انفصل من حي أو ميت ؟ فهو طاهر، وقياسه أن العظم كذلك. وبه صرح في الجواهر. وبيض الميتة إن تصلب طاهر وإلا فنجس. وسؤر كل حيوان طاهر طاهر، فلو تنجس فمه ثم ولغ في ماء قليل أو مائع، فإن كان بعد غيبة يمكن فيها طهارته بولوغه في ماء كثير أو جار لم ينجسه ولو هرا وإلا نجسه. قال شيخنا - كالسيوطي، تبعا لبعض المتأخرين - إنه يعفى عن يسير عرفا، من شعر نجس من غير مغلظ، ومن دخان نجاسة، وما على رجل ذباب، وإن رؤي، وما على منفذ غير آدمي مما خرج منه، وذرق طير وما على فمه، وروث ما نشؤه من الماء أو بين أوراق شجر النارجيل التي تستر بها البيوت عن المفطر حيث يعسر صون الماء عنه. قال جمع: وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في حياض الا خلية إذا عم الابتلاء به، ويؤيده بحث الفزاري، وشرط ذلك كله إذا كان في الماء أن لا يغير. انتهى
والزباد طاهر، ويعفى عن قليل شعره كالثلاث. كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الاناء المأخوذ منه. قال شيخنا: والذي يتجه الاول إن كان جامدا، لان العبرة فيه بمحل النجاسة فقط، فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه، وإلا عفي، بخلاف المائع فإن جميعه كالشيء الواحد. فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا، ولا نظر للمأخوذ حينئذ. ونقل المحب الطبري عن ابن الصباغ واعتمده، أنه يعفى عن جرة البعير ونحوه فلا ينجس ما شرب منه، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقرة والضأن إذا التقم أخلاف أمه. وقال ابن الصلاح: يعفى عما اتصل به شيء من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها، وألحق غيره بهم أفواه المجانين. وجزم به الزركشي
(وكميتة) ولو نحو ذباب مما لا نفس له سائلة، خلافا للقفال ومن تبعه في قوله بطهارته لعدم الدم المتعفن، كمالك وأبي حنيفة. فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها، وكذا شعرها وعظمها وقرنها، خلافا لابي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم. وأفتى الحافظ ابن حجر العسقلاني بصحة الصلاة إذا حمل المصلي ميتة ذباب إن كان في محل يشق الاحتراز عنه (غير بشر وسمك وجراد) لحل تناول الاخيرين. وأما الآدمي فلقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاستهم بالموت. وغير صيد لم تدرك ذكاته، وجنين مذكاة مات بذكاتها. ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه
ونقل في الجواهر عن الاصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه، أي من المستقذرات. وظاهره: لا فرق بين كبيره وصغيره. لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه
(وكمسكر) أي صالح للاسكار، فدخلت القطرة من المسكر. (مائع) كخمر، وهي المتخذة من العنب، ونبيذ، وهو المتخذ من غيره. وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش. وتطهر خمر تخللت بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة. ويتبعها في الطهارة الدن، وإن تشرب منها أو غلت فيه وارتفعت بسبب الغليان ثم نزلت، أما إذا ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل فلا تطهر، وإن غمر المرتفع قبل جفافه أو بعده بخمر أخرى - على الاوجه. كما جزم به شيخنا. والذي اعتمده شيخنا المحقق عبد الرحمن بن زياد أنها تطهر إن غمر المرتفع قبل الجفاف لا بعده. ثم قال: لو صب خمر في إناء ثم أخرجت منه، وصب فيه خمر أخرى بعد جفاف الاناء وقبل غسله لم تطهر، وإن تخللت بعد نقلها منه في إناء آخر. انتهى. والدليل على كون الخمر خلا. الحموضة في طعمها، وإن لم توجد نهاية الحموضة، وإن قذفت بالزبد. ويطهر جلد نجس بالموت باندباغ نقاه بحيث لا يعود إليه نتن ولا فساد لو نقع في الماء
(وككلب وخنزير) وفرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره، ودود ميتتهما طاهر، وكذا نسج عنكبوت على المشهور. كما قاله السبكي والاذرعي، وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته. وما يخرج من جلد نحو حية في حياتها كالعرق، على ما أفتى به بعضهم. لكن قال شيخنا: فيه نظر، بل الاقرب أنه نجس لانه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته. وقال أيضا: لو نزا كلب أو خنزير على آدمية فولدت آدميا كان الولد نجسا، ومع ذلك هو مكلف بالصلاة وغيرها. وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته، وأنه تجوز إمامته إذ لا إعادة عليه، ودخوله المسجد حيث لا رطوبة للجماعة ونحوها
ويطهر متنجس بعينية بغسل مزيل لصفاتها، من طعم ولون وريح. ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله ولو من مغلظ، فإن بقيا معا لم يطهر. ومتنجس بحكمية كبول جف لم يدرك له صفة .بجري الماء عليه مرة، وإن كان حبا أو لحما طبخ بنجس، أو ثوبا صبغ بنجس، فيطهر باطنها بصب الماء على ظاهرها، كسيف سقي وهو محمى بنجس
ويشترط في طهر المحل ورود الماء القليل على المحل المتنجس، فإن ورد متنجس على ماء قليل لا كثير تنجس، وإن لم يتغير فلا يطهر غيره.وفارق الوارد غيره بقوته لكونه عاملا
فلو تنجس فمه كفى أخذ الماء بيده إليه وإن لم يعلها عليه - كما قال شيخنا - ويجب غسل كل ما في حد الظاهر منه ولو بالادارة، كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه. ولا يجوز له ابتلاع شيء قبل تطهير فمه، حتى بالغرغرة
{ فرع }
لو أصاب الارض نحو بول وجف، فصب على موضعه ماء فغمره، طهر، ولو لم ينضب - أي يغور - سواء كانت الارض صلبة أم رخوة. وإذا كانت الارض لم تتشرب ما تنجست به فلا بد من إزالة العين قبل صب الماء القليل عليها، كما لو كانت في إناء. ولو كانت النجاسة جامدة فتفتتت واختلطت بالتراب لم يطهر، كالمختلط بنحو صديد، بإفاضة الماء عليه. بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها
وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه، وإن كان ليتيم. قال شيخنا: ويتعين فرضه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن، بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي
{ فرع }
غسالة المتنجس - ولو معفوا عنه كدم قليل - إن انفصلت وقد زالت العين وصفاتها، ولم تتغير ولم يزد وزنها - بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء والماء من الوسخ - وقد طهر المحل: طاهرة. قال شيخنا: ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن { فرع } إذا وقع في طعام جامد كسمن فأرة مثلا فماتت، ألقيت وما حولها مما ماسها فقط، والباقي طاهر. والجامد هو الذي إذا غرف منه لا يتراد على قرب { فرع } إذا تنجس مآء البئر القليل بملاقاة نجس لم يطهر بالنزح، بل ينبغي أن لا ينزح ليكثر الماء بنبع أو صب ماء فيه، أو الكثير بتغير به لم يطهر إلا بزواله. فإن بقيت فيه نجاسة كشعر فأرة ولم يتغير فطهور تعذر استعماله إذ لا يخلو منه دلو فلينزح كله. فإن اغترف قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر وإن ظنه، عملا بتقديم الاصل على الظاهر
ولا يطهر متنجس بنحو كلب إلا بسبع غسلات بعد زوال العين ولو بمرات، فمزيلها مرة واحدة، إحداهن بتراب تيمم ممزوج بالماء، بأن يكدر الماء حتى يظهر أثره فيه ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل المتنجس. ويكفي في الراكد تحريكه سبعا. قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة والعود أخرى. وفي الجاري مرور سبع جريات، ولا تتريب في أرض ترابية { فرع } لو مس كلبا داخل ماء كثير لم تنجس يده، ولو رفع كلب رأسه من ماء وفمه مترطب، ولم يعلم مماسته له، لم ينجس. قال مالك وداود: الكلب طاهر ولا ينجس الماء القليل بولوغه، وإنما يجب غسل الاناء بولوغه تعبدا
(ويعفى عن دم نحو برغوث) مما لا نفس له سائلة كبعوض وقمل، لا عن جلده. (و) دم نحو (دمل) كبثرة وجرح، وعن قيحه وصديده، (وإن كثر) الدم فيهما وانتشر بعرق، أو فحش الاول بحيث طبق الثوب - على النقول المعتمدة - (بغير فعله) فإن كثر بفعله قصدا، كأن قتل نحو برغوث في ثوبه، أو عصر نحو دمل أوحمل ثوبا فيه دم براغيث مثلا، وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه، أو زاد على ملبوسه لا لغرض كتجمل، فلا يعفى إلا عن القليل على الاصح - كما في التحقيق والمجموع - وإن اقتضى كلام الروضة العفو عن كثير دم نحو الدمل وإن عصر. واعتمده ابن النقيب والاذرعي. ومحل العفو - هنا وفيما يأتي - بالنسبة للصلاة لا لنحو ماء قليل، فينجس به وإن قل، ولا أثر لملاقاة البدن له رطبا، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره
(و) عن (قليل) نحو دم (غيره) - أي أجنبي - غير مغلظ، بخلاف كثيره. ومنه كما قال الاذرعي: دم انفصل من بدنه ثم أصابه. (و) عن قليل (نحو دم حيض ورعاف) كما في المجموع. ويقاس بهما دم سائر المنافذ، إلا الخارج من معدن النجاسة كمحل الغائط. والمرجع في القلة والكثرة العرف، وما شك في كثرته له حكم القليل. ولو تفرق النجس في محال - ولو جمع كثر - كان له حكم القليل عند الامام، والكثير عند المتولي والغزالي وغيرهما، ورجحه بعضهم. ويعفى عن دم نحو فصد وحجم بمحلهما وإن كثر. وتصح صلاة من أدمى لثته قبل غسل الفم، إذا لم يبتلع ريقه فيها، لان دم اللثة معفو عنه بالنسبة إلى الريق. ولو رعف قبل الصلاة ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره، وإلا تحفظ - كالسلس - خلافا لمن زعم انتظاره، وإن خرج الوقت. كما تؤخر لغسل ثوبه المتنجس وإن خرج. ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلزمته، بخلافه في مسألتنا. وعن قليل طين محل مرور متيقن نجاسته ولو بمغلظ، للمشقة، ما لم تبق عينها متميزة. ويختلف ذلك بالوقت ومحله من الثوب والبدن
وإذا تعين عين النجاسة في الطريق، ولو مواطئ كلب، فلا يعفى عنها، (وإن عمت الطريق على الاوجه). (وأفتى شيخنا) في طريق لا طين بها بل فيها قذر الادمي وروث الكلاب والبهائم وقد أصابها المطر، بالعفو عند مشقة الاحتراز
{ قاعدة مهمة }
وهي أن ما أصله الطهارة وغلب على الظن تنجسه لغلبة النجاسة في مثله، فيه قولان معروفان بقولي الاصل. والظاهر أو الغالب أرجحهما أنه طاهر، عملا بالاصل المتيقن، لانه أضبط من الغالب المختلف بالاحوال والازمان، (وذلك كثياب خمار وحائض وصبيان)، وأواني متدينين بالنجاسة، وورق يغلب نثره على نجس، ولعاب صبي، وجوخ اشتهر عمله بشحم الخنزير، وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة الخنزير. وقد جاءه صلي الله عليه وسلم جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك. ذكره شيخنا في شرح المنهاج
(و) يعفى عن (محل استجماره و) عن (ونيم ذباب) وبول (وروث خفاش) في المكان، وكذا الثوب والبدن، وإن كثرت، لعسر الاحتراز عنها. ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور في المكان إذا عمت البلوى به. وقضية كلام المجموع العفو عنه في الثوب والبدن أيضا، ولا يعفى عن بعر الفأر - ولو يابسا - على الاوجه. لكن أفتى شيخنا ابن زياد - كبعض المتأخرين - بالعفو عنه إذا عمت البلوى به، كعمومها في ذرق الطيور. ولا تصح صلاة من حمل مستجمرا أو حيوانا بمنفذه نجس، أو مذكى غسل مذبحه دون جوفه، أو ميتا طاهرا كآدمي وسمك يغسل باطنه، أو بيضة مذرة في باطنها دم. ولا صلاة قابض طرف متصل بنجس وإن لم يتحرك بحركته. { فرع } لو رأى من يريد صلاة وبثوبه نجس غير معفو عنه لزمه إعلامه. وكذا يلزم تعليم من رآه يخل بواجب عبادة في رأي مقلده
{ تتمة }
يجب الاستنجاء من كل خارج ملوث بماء. ويكفي فيه غلبة ظن زوال النجاسة، ولا يسن حينئذ شم يده، وينبغي الاسترخاء لئلا يبقى أثرها في تضاعيف شرج المقعدة، أو بثلاث مسحات تعم المحل في كل مرة، مع تنقية بجامد قالع
ويندب لداخل الخلاء أن يقدم يساره، ويمينه لانصرافه، بعكس المسجد. وينحي ما عليه معظم، من قرآن واسم نبي أو ملك، ولو مشتركا كعزيز وأحمد إن قصد به معظم. ويسكت حال خروج خارج ولو عن غير ذكر وفي غير حال الخروج عن ذكر. ويبعد ويستتر. وأن لا يقضي حاجته في ماء مباح راكد ما لم يستبحر. ومتحدث غير مملوك لاحد، وطريق. وقيل: يحرم التغوط فيها. وتحت مثمر بملكه، أو مملوك علم رضا مالكه، وإلا حرم. ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها، ويحرمان في غير المعد وحيث لا ساتر. فلو استقبلها بصدره وحول فرجه عنها ثم بال، لم يضر، بخلاف عكسه. ولا يستاك ولا يبزق في بوله. وأن يقول عند دخوله: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. والخروج: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني. وبعد الاستنجاء: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش. قال البغوي: لو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره لم تلزمه إعادته
(ثالثها): (أي شروط الصلاة) (ستر رجل) ولو صبيا، (وأمة) ولو مكاتبة وأم ولد. (ما بين سرة وركبة) لهما، ولو خاليا في ظلمة. للخبر الصحيح: لا يقبل الله صلاة حائض - أي بالغ - إلا بخمار. ويجب ستر جزء منهما ليتحقق به ستر العورة. (و) ستر (حرة) ولو صغيرة (غير وجه وكفين) ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين (بما لا يصف لونا) أي لون البشرة في مجلس التخاطب. كذا ضبطه بذلك أحمد بن موسى بن عجيل. ويكفي ما يحكي لحجم الاعضاء، لكنه خلاف الاولى، ويجب الستر من الاعلى والجوانب لا من الاسفل (إن قدر) أي كل من الرجل والحرة والامة. (عليه) أي الستر
أما العاجز عما يستر العورة فيصلي وجوبا عاريا بلا إعادة، ولو مع وجود ساتر متنجس تعذر غسله، لا من أمكنه تطهيره، وإن خرج الوقت، ولو قدر على ساتر بعض العورة لزمه الستر بما وجد، وقدم السوأتين فالقبل فالدبر، ولا يصلي عاريا مع وجود حرير بل لابسا له، لانه يباح للحاجة. ويلزم التطيين لو عدم الثوب أو نحوه. ويجوز لمكتس اقتداء بعار، وليس للعاري غصب الثوب. ويسن للمصلي أن يلبس أحسن ثيابه ويرتدي ويتعمم ويتقمص ويتطيلس، ولو كان عنده ثوبان فقط لبس أحدهما وارتدى بالآخر إن كان ثم سترة، وإلا جعله مصلى. كما أفتى به شيخنا
{ فرع }
يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا، ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة، لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل، وما بين سرة وركبة غيره. ويجوز كشفها في الخلوة، ولو من المسجد، لادنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل
(ورابعها: معرفة دخول وقت) يقينا أو ظنا. فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت، لان الاعتبار في العبادات بما في ظن المكلف، وبما في نفس الامر، وفي العقود بما في نفس الامر فقط. (فوقت ظهر من زوال) الشمس (إلى مصير ظل كل شيء مثله، غير ظل استواء) أي الظل الموجود عنده، إن وجد. وسميت بذلك لانها أول صلاة ظهرت. (ف) وقت (عصر) من آخر وقت الظهر (إلى غروب) جميع قرص شمس، (ف) وقت (مغرب) من الغروب (إلى مغيب الشفق الاحمر، ف) - وقت (عشاء) من مغيب الشفق. قال شيخنا: وينبغي ندب تأخيرها لزوال الاصفر والابيض، خروجا من خلاف من أوجب ذلك. ويمتد (إلى طلوع (فجر) صادق، (ف) وقت (صبح) من طلوع الفجر الصادق لا الكاذب (إلى طلوع) بعض (الشمس)، والعصر هي الصلاة الوسطى، لصحة الحديث به. فهي أفضل الصلوات، ويليها الصبح، ثم العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب، كما استظهره شيخنا من الادلة. وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء لانها فيهما أشق. قال الرافعي: كانت الصبح صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، عليهم الصلاة والسلام. انتهى
واعلم أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، فله التأخير عن أوله إلى وقت يسعها بشرط أن يعزم على فعلها فيه، ولو أدرك في الوقت ركعة لا دونها فالكل أداء وإلا فقضاء. ويأثم بإخراج بعضها عن الوقت وإن أدرك ركعة. نعم، لو شرع في غير الجمعة وقد بقي ما يسعها جاز له - بلا كراهة - أن يطولها بالقراءة أو الذكر حتى يخرج الوقت، وإن لم يوقع منها ركعة فيه - على المعتمد - فإن لم يبق من الوقت ما يسعها، أو كانت جمعة، لم يجز المد، ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة لادراك كلها في الوقت
{ فرع }
يندب تعجيل صلاة - ولو عشاء - لاول وقتها، لخبر: أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها. وتأخيرها عن أوله لتيقن جماعة أثناءه، وإن فحش التأخير ما لم يضق الوقت، ولظنها إذا لم يفحش عرفا، لا لشك فيها مطلقا. والجماعة القليلة أول الوقت أفضل من الكثيرة آخره
ويؤخر المحرم صلاة العشاء - وجوبا - لاجل خوف فوات حج بفوت الوقوف بعرفة لو صلاها متمكنا، لان قضاءه صعب. والصلاة تؤخر لانها أسهل من مشقته، ولا يصليها صلاة شدة الخوف. ويؤخر أيضا - وجوبا - من رأى نحو غريق أو أسير لو أنقذه خرج الوقت
{ فرع }
يكره النوم بعد دخول وقت الصلاة وقبل فعلها، حيث ظن الاستيقاظ قبل ضيقه، لعادة أو لايقاظ غيره له، وإلا حرم النوم الذي لم يغلب في الوقت
{ فرع }
يكره تحريما صلاة لا سبب لها، كالنفل المطلق ومنه صلاة التسابيح، أو لها سبب متأخر كركعتي استخارة وإحرام بعد أداء صبح حتى ترتفع الشمس كرمح، وعصر حتى تغرب، وعند استواء غير يوم الجمعة. لا ما له سبب متقدم كركعتي وضوء وطواف وتحية وكسوف، وصلاة جنازة ولو على غائب، وإعادة مع جماعة ولو إماما، وكفائتة فرض أو نفل لم يقصد تأخيرها للوقت المكروه ليقضيها فيه أو يداوم عليه. فلو تحرى إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه من حيث كونه مكروها فتحرم مطلقا ولا تنعقد، ولو فائتة يجب قضاؤها فورا لانه معاند للشرع
(وخامسها: استقبال) عين (القبلة) أي الكعبة، بالصدر. فلا يكفي استقبال جهتها، خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى، (إلا في) حق العاجز عنه، وفي صلاة (شدة خوف) ولو فرضا، فيصلي كيف أمكنه ماشيا وراكبا مستقبلا أو مستدبرا، كهارب من حريق وسيل وسبع وحية، ومن دائن عند إعسار، وخوف حبس. (و) لا في (نفل سفر مباح) لقاصد محل معين، فيجوز النفل راكبا وماشيا فيه ولو قصيرا. نعم، يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع النداء من بلده، بشروطه المقررة في الجمعة. وخرج بالمباح سفر المعصية فلا يجوز ترك القبلة في النفل لابق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه
(و) يجب (على ماش إتمام ركوع وسجود) لسهولة ذلك عليه، وعلى راكب إيماء بهما. (واستقبال فيهما وفي تحرم) وجلوس بين السجدتين، فلا يمشي إلا في القيام والاعتدال والتشهد والسلام، ويحرم انحرافه عن استقبال صوب مقصده عامدا عالما مختارا إلا إلى القبلة. ويشترط ترك فعل كثير - كعدو وتحريك رجل بلا حاجة - وترك تعمد وطئ نجس - ولو يابسا - وإن عم الطريق، ولا يضر وطئ يابس خطأ، ولا يكلف ماش التحفظ عنه. ويجب الاستقبال في النفل لراكب سفينة غير ملاح
واعلم أيضا أنه يشترط في صحة الصلاة العلم بفرضية الصلاة. فلو جهل فرضية أصل الصلاة، أو صلاته التي شرع فيها، لم تصح، كما في المجموع والروضة. وتمييز فروضها من سننها. نعم، إن اعتقد العامي، أو العالم على الاوجه، الكل فرضا صحت، أو سنة فلا. والعلم بكيفيتها الآتي بيانها قريبا إن شاء الله تعالى
فصل في صفة الصلاة
(أركان الصلاة) أي فروضها: أربعة عشر، بجعل الطمأنينة في محالها ركنا واحدا. أحدها: (نية) وهي القصد بالقلب، لخبر: إنما الاعمال بالنيات. (فيجب فيها) أي النية (قصد فعلها) أي الصلاة، لتتميز عن بقية الافعال (وتعيينها) من ظهر أو غيرها، لتتميز عن غيرها، فلا يكفي نية فرض الوقت. (ولو) كانت الصلاة المفعولة (نفلا) غير مطلق، كالرواتب والسنن المؤقتة أو ذات السبب، فيجب فيها التعيين بالاضافة إلى ما يعينها كسنة الظهر القبلية أو البعدية، وإن لم يؤخر القبلية. ومثلها كل صلاة لها سنة قبلها وسنة بعدها، وكعيد الاضحى أو الاكبر أو الفطر أو الاصغر، فلا يكفي صلاة العيد والوتر سواء الواحدة والزائدة عليها، ويكفي نية الوتر من غير عدد. ويحمل على ما يريده على الاوجه، ولا يكفي فيه نية سنة العشاء أو راتبتها، والتراويح والضحى، وكاستسقاء وكسوف شمس أو قمر
أما النفل المطلق فلا يجب فيه تعيين بل يكفي فيه نية فعل الصلاة، كما في ركعتي التحية والوضوء والاستخارة، وكذا صلاة الاوابين، على ما قاله شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى. والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعين كالضحى
(و) تجب (نية فرض فيه) أي في الفرض، ولو كفاية أو نذرا، وإن كان الناوي صبيا، ليتميز عن النفل. (كأصلي فرض الظهر) مثلا، أو فرض الجمعة، وإن أدرك الامام في تشهدها
(وسن) في النية (إضافة إلى الله) (تعالى)، خروجا من خلاف من أوجبها، وليتحقق معنى الاخلاص. (وتعرض لاداء أو قضاء) ولا يجب وإن كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة، خلافا لما اعتمده الاذرعي. والاصح صحة الاداء بنية القضاء، وعكسه إن عذر بنحو غيم، وإلا بطلت قطعا لتلاعبه، (و) تعرض (لاستقبال وعدد ركعات) للخروج من خلاف من أوجب التعرض لهما. (و) سن (نطق بمنوي) قبل التكبير، ليساعد اللسان القلب، وخروجا من خلاف من أوجبه. ولو شك: هل أتى بكمال النية أو لا ؟ أو هل نوى ظهرا أو عصرا ؟ فإن ذكر بعد طول زمان، أو بعد إتيانه بركن - ولو قوليا كالقراءة - بطلت صلاته، أو قبلهما فلا
(و) ثانيها: (تكبير تحرم) للخبر المتفق عليه: إذا قمت إلى الصلاة فكبر. سمي بذلك لان المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له قبله من مفسدات الصلاة، وجعل فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناه الدال على عظمة من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع، ومن ثم زيد في تكراره ليدوم استصحاب ذينك في جميع صلاته. (مقرونا به) أي بالتكبير، (النية) لان التكبير أول أركان الصلاة فتجب مقارنتها به، بل لا بد أن يستحضر كل معتبر فيها مما مر وغيره. كالقصر للقاصر، وكونه إماما أو مأموما في الجمعة، والقدوة لمأموم في غيرها، مع ابتدائه. ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء
وفي قول صححه الرافعي، يكفي قرنها بأوله. وفي المجموع والتنقيح المختار ما اختاره الامام والغزالي: أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرا للصلاة. وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي لا يجوز سواه. وصوبه السبكي، وقال: من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم. وعند الائمة الثلاثة: يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير
(ويتعين) فيه على القادر لفظ: (الله أكبر) للاتباع، أو الله الاكبر. ولا يكفي أكبر الله، ولا الله كبير، أو أعظم، ولا الرحمن أكبر. ويضر إخلال بحرف من الله أكبر. وزيادة حرف يغير المعنى، كمد همزة الله، وكألف بعد الباء، وزيادة واو قبل الجلالة، وتخلل واو ساكنة ومتحركة بين الكلمتين، وكذا زيادة مد الالف التي بين اللام والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء. ولا يضر وقفة يسيرة بين كلمتيه، وهي سكتة التنفس، ولا ضم الراء
{ فرع }
لو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل: دخل فيها بالوتر وخرج منها بالشفع، لانه لما دخل بالاولى خرج بالثانية، لان نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الاولى. وهكذا، فإن لم ينو ذلك، ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية، فما بعد الاولى ذكر لا يؤثر
(ويجب إسماعه) أي التكبير، (نفسه) إن كان صحيح السمع، ولا عارض من نحو لغط. (كسائر ركن قولي) من الفاتحة والتشهد والسلام. ويعتبر إسماع المندوب القولي لحصول السنة
(وسن جزم رائه) أي التكبير، خروجا من خلاف من أوجبه وجهر به لامام كسائر تكبيرات الانتقالات، (ورفع كفيه) أو إحداهما إن تعسر رفع الاخرى، (بكشف) أي مع كشفهما، ويكره خلافه. ومع تفريق أصابعهما تفريقا وسطا، (خذو) أي مقابل (منكبيه) بحيث يحاذي أطراف أصابعه على أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، للاتباع. وهذه الكيفية تسن (مع) جميع تكبير (تحرم) بأن يقرنه به ابتداء وينهيهما معا. (و) مع (ركوع) للاتباع الواردد من طرق كثيرة. (ورفع منه) أي من الركوع. (و) رفع (من تشهد أول) للاتباع فيهما. (ووضعهما تحت صدره) وفوق سرته، للاتباع. (آخذا بيمينه) كوع (يساره) وردهما من الرفع إلى تحت الصدر أولى من إرسالهما بالكلية، ثم استئناف رفعهما إلى تحت الصدر. قال المتولي، - واعتمده غيره -: ينبغي أن ينظر قبل الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلا ثم يرفع
(و) ثالثها: (قيام قادر) عليه بنفسه أو بغيره (في فرض) ولو مندورا أو معادا. ويحصل القيام بنصب فقار ظهره - أي عظامه التي هي مفاصله - ولو باستناد إلى شيء بحيث لو زال لسقط. ويكره الاستناد – لا بانحناء - إن كان أقرب إلى أقل الركوع، إن لم يعجز عن تمام الانتصاب
(ولعاجز شق عليه قيام) بأن لحقه به مشقة شديدة بحيث لا تحتمل عادة - وضبطها الامام بأن تكون بحيث يذهب معها خشوعه - (صلاة قاعدا) كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام، وسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود. وينحني القاعد للركوع بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه
{ فرع }
قال شيخنا: يجوز لمريض أمكنه القيام بلا مشقة لو انفرد، لا إن صلى في جماعة إلا مع جلوس في بعضها، الصلاة معهم مع الجلوس في بعضها، وإن كان الافضل الانفراد. وكذا إذا قرأ الفاتحة فقط لم يقعد، أو والسورة قعد فيها جاز له قراءتها مع القعود، وإن كان الافضل تركها. انتهى
والافضل للقاعد الافتراش، ثم التربع، ثم التورك، فإن عجز عن الصلاة قاعدا صلى مضطجعا على جنبه، مستقبلا للقبلة بوجهه ومقدم بدنه، ويكره على الجنب الايسر بلا عذر. فمستلقيا على ظهره وأخمصاه إلى القبلة، ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدة ليستقبل بوجهه القبلة، وأن يومئ إلى صوب القبلة راكعا وساجدا، وبالسجود أخفض من الايماء إلى الركوع، إن عجز عنهما. فإن عجز عن الايماء برأسه أومأ بأجفانه. فإن عجز، أجرى أفعال الصلاة على قلبه، فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا
وإنما أخروا القيام عن سابقيه - مع تقدمه عليهما - لانهما ركنان حتى في النفل، وهو ركن في الفريضة فقط
(كمتنفل) فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا ومضطجعا، مع القدرة على القيام أو القعود. ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود، أما مستلقيا فلا يصح مع إمكان الاضطجاع. وفي المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات. وفي الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع
(و) رابعها: (قراءة فاتحة كل ركعة) في قيامها، لخبر الشيخين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. أي في كل ركعة
(إلا ركعة مسبوق) فلا تجب عليه فيها حيث لم يدرك زمنا يسع الفاتحة من قيام الامام، ولو في كل الركعات لسبقه في الاولى وتخلف المأموم عنه بزحمة أو نسيان أو بطء حركة، فلم يقم من السجود في كل مما بعدها إلا والامام راكع، فيتحمل الامام المتطهر في غير الركعة الزائدة الفاتحة أو بقيتها عنه. ولو تأخر مسبوق لم يشتغل بسنة لاتمام الفاتحة فلم يدرك الامام إلا وهو معتدل لغت ركعته
(مع بسملة) أي مع قراءة البسملة فإنها آية منها، لانه صلي الله عليه وسلم قرأها ثم الفاتحة وعدها آية منها. وكذا من كل سورة غير براءة. (و) مع (تشديدات) فيها، وهي أربع عشرة، لان الحرف المشدد بحرفين. فإذا خفف بطل منها حرف. (و) مع (رعاية حروف) فيها، وهي على قراءة ملك - بلا ألف - مائة وواحد وأربعون حرفا، وهي مع تشديداتها مائة وخمسة وخمسون حرفا٬ (ومخارجها) أي الحروف كمخرج ضادوغيرها
فلو أبدل قادر أو من أمكنه التعلم - حرفا بآخر، ولو ضادا بظاء، أو لحن لحنا يغير المعنى، ككسر تاء أنعمت أو ضمها وكسر كاف إياك لا ضمها، فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه بطلت صلاته، وإلا فقراءته. نعم. إن أعاده الصواب قبل طول الفصل كمل عليها. أما عاجز لم يمكنه التعلم فلا تبطل قراءته مطلقا، وكذا لاحن لحنا لا يغير المعنى، كفتح دال نعبد، لكنه إن تعمد حرم، وإلا كره
ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله - بالهاء - وفي النطق بالقاف المترددة بينها وبين الكاف. وجزم شيخنا في شرح المنهاج بالبطلان فيهما إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت. لكن جزم بالصحة في الثانية شيخه زكريا، وفي الاولى القاضي وابن الرفعة. ولو خفف قادر - أو عاجز مقصر - مشددا - كأن قرأ ال رحمن بفك الادغام بطلت صلاته إن تعمد وعلم، وإلا فقراءته لتلك الكلمة. ولو خفف إياك، عامدا عالما معناه، كفر لانه ضوء الشمس، وإلا سجد للسهو. ولو شدد مخففا صح، ويحرم تعمده كوقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين
(و) مع رعاية (موالاة) فيها بأن يأتي بكلماتها على الولاء بأن لا يفصل بين شيء منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العي
(فيعيد) قراءة الفاتحة، (بتخلل ذكر أجنبي) لا يتعلق بالصلاة فيها، وإن قل، كبعض آية من غيرها، وكحمد عاطس - وإن سن فيها كخارجها - لاشعاره بالاعراض. (لا) يعيد الفاتحة (ب) تخلل ما له تعلق بالصلاة، ك( تأمين وسجود) لتلاوة إمامه معه، (ودعاء) من سؤال رحمة، واستعاذة من عذاب، وقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين (لقراءة إمامه) الفاتحة أو آية السجدة، أو الآية التي يسن فيها ما ذكر لكل من القارئ والسامع، مأموما أو غيره، في صلاة وخارجها. فلو قرأ المصلي - آية - أو سمع آية - فيها اسم محمد صلي الله عليه وسلم لم تندب الصلاة عليه، كما أفتى به النووي
(و) لا (بفتح عليه) أي الامام إذا توقف فيها بقصد القراءة، ولو مع الفتح، ومحله - كما قال شيخنا - إن سكت، وإلا قطع الموالاة. وتقديم نحو سبحان الله قبل الفتح يقطعها على الاوجه، لانه حينئذ بمعنى تنبه
(و) يعيد الفاتحة بتخلل (سكوت طال) فيها بحيث زاد على سكتة الاستراحة (بلا عذر فيهما)، من جهل وسهو. فلو كان تخلل الذكر الاجنبي، أو السكوت الطويل، سهوا أو جهلا، أو كان السكوت لتذكر آية، لم يضر، كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر، أو عاد إلى ما قرأه قبل واستمر، على الاوجه
{ فرع }
لو شك في أثناء الفاتحة هل بسمل، فأتمها ثم ذكر أنه بسمل أعاد كلها على الاوجه
(ولا أثر لشك في ترك حرف) فأكثر من الفاتحة، أو آية فأكثر منها. (بعد تمامها) أي الفاتحة، لان الظاهر حينئذ مضيها تامة
(واستأنف) وجوبا إن شك فيه (قبله) أي التمام. كما لو شك هل قرأها أو لا ؟ لان الاصل عدم قراءتها. وكالفاتحة في ذلك سائر الاركان. فلو شك في أصل السجود مثلا أتى به، أو بعده في نحو وضع اليد، لم يلزمه شيء. ولو قرأها غافلا ففطن عند * (صراط الذين) * ولم يتيقن قراءتها لزمه استئنافها
ويجب الترتيب في الفاتحة بأن يأتي بها على نظمها المعروف لا في التشهد ما لم يخل بالمعنى. لكن يشترط فيه رعاية تشديدات وموالاة كالفاتحة. ومن جهل جميع الفاتحة ولم يمكنه تعلمها قبل ضيق الوقت، ولا قراءتها في نحو مصحف، لزمه قراءة سبع آيات - ولو متفرقة - لا ينقض حروفها عن حروف الفاتحة، وهي بالبسملة بالتشديدات مائة وستة وخمسون حرفا - بإثبات ألف مالك .ولو قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها، وإن لم يقدر على بدل فسبعة أنواع من ذكر كذلك، فوقوف بقدرها
(وسن) وقيل: يجب (بعد تحرم) بفرض أو نفل، ما عدا صلاة جنازة. (افتتاح) أي دعاؤه سرا إن أمن فوت الوقت وغلب على ظن المأموم إدراك ركوع الامام، (ما لم يشرع) في تعوذ أو قراءة ولو سهوا. (أو يجلس مأموم) مع إمامه، وإن أمن مع تأمينه. (وإن خاف) أي المأموم، (فوت سورة) حيث تسن له. كما ذكر شيخنا في شرح العباب وقال: لان إدراك الافتتاح محقق، وفوات السورة موهوم، وقد لا يقع. وورد فيه أدعية كثيرة. وأفضلها ما رواه مسلم، وهي: وجهت وجهي - أي ذاتي - للذي فطر السموات والارض حنيفا - أي مائلا عن الاديان إلى الدين الحق - مسلما، وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين. ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه الاسراع به، ويزيد - ندبا - المنفرد، وإمام محصورين - غير أرقاء ولا نساء متزوجات - رضوا بالتطويل لفظا ولم يطرأ غيرهم، وإن قل حضوره. ولم يكن المسجد مطروقا. ما ورد في دعاء الافتتاح، ومنه ما رواه الشيخان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي كما يغسل الثوب بالماء والثلج والبرد
(ف) بعد افتتاح وتكبير صلاة عيد - إن أتى بهما - يسن (تعوذ) ولو في صلاة الجنازة، سرا ولو في الجهرية. وإن جلس مع إمامه (كل ركعة) ما لم يشرع في قراءة ولو سهوا. وهو في الاولى آكد، ويكره تركه. (و) يسن (وقف على رأس كل آية) حتى على آخر البسملة، خلافا لجمع (منها) أي من الفاتحة، وإن تعلقت بما بعدها، للاتباع. والاولى أن لا يقف على * (أنعمت عليهم) * لانه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا، فإن وقف على هذا لم تسن الاعادة من أول الآية
(و) يسن (تأمين) أي قوله: آمين. بالتخفيف والمد. وحسن زيادة: رب العالمين، (عقبها) أي الفاتحة - ولو خارج الصلاة - بعد سكتة لطيفة، ما لم يتلفظ بشيء سوى رب اغفر لي. ويسن الجهر به في الجهرية، - حتى للمأموم - لقراءة إمام تبعا له
(و) سن لمأموم في الجهرية تأمين (مع) تأمين (إمامه إن سمع) قراءته، لخبر الشيخين: إذا أمن الامام - أي أراد التأمين - فأمنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. وليس لنا ما يسن فيه تحري مقارنة الامام إلا هذا. وإذا لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه. وإن أخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم جهرا. وآمين اسم فعل بمعنى استجب، مبني على الفتح، ويسكن عند الوقف
{ فرع }
يسن للامام أن يسكت في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة - إن علم أنه يقرؤها في سكتة - كما هو ظاهر، وأن يشتغل في هذه السكتة بدعاء أو قراءة، وهي أولى. قال شيخنا: وحينئذ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤها وبعدها.. { فائدة } يسن سكتة لطيفة بقدر سبحان الله، بين آمين والسورة، وبين آخرها وتكبيرة الركوع، وبين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة
(و) سن آية فأكثر، والاولى ثلاث (بعدها) أي بعد الفاتحة. ويسن لمن قرأها من أثناء سورة البسملة. نص عليه الشافعي. ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة في الركعتين، وبإعادة الفاتحة إن لم يحفظ غيرها، وبقراءة البسملة لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة، وسورة كاملة - حيث لم يرد البعض، كما في التراويح - أفضل من بعض طويلة وإن طال. ويكره تركها رعاية لمن أوجبها. وخرج ببعدها ما لو قدمها عليها فلا تحسب، بل يكره ذلك. وينبغي أن لا يقرأ غير الفاتحة من يلحن فيه لحنا يغير المعنى. وإن عجز عن التعلم، لانه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة. وترك السورة جائز. ومقتضى كلام الامام: الحرمة
(و) تسن (في) الركعتين (الاوليين) من رباعية أو ثلاثية، ولا تسن في الاخيرتين إلا لمسبوق بأن لم يدرك الاوليين مع إمامه فيقرؤها في باقي صلاته إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه، ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا فيما أدركه، لان الامام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى. ويسن أن يطول قراءة الاولى على الثانية، ما لم يرد نص بتطويل الثانية. وأن يقرأ على ترتيب المصحف، وعلى التوالي، ما لم تكن التي تليها أطول ولو تعارض الترتيب، وتطويل الاولى كأن قرأ الاخلاص، فهل يقرأ الفلق نظرا للترتيب ؟ أو الكوثر نظرا لتطويل الاولى ؟ كل محتمل، والاقرب الاول. قاله شيخنا في شرح المنهاج. وإنما تسن قراءة الآية (ل) إمام ومنفرد و (غير مأموم سمع) قراءة إمامه في الجهرية فتكره له. وقيل: تحرم. أما مأموم لم يسمعها، أو سمع صوتا لا يميز حروفه، فيقرأ سرا. لكن يسن له كما في أوليي السرية تأخير فاتحته عن فاتحة إمامه إن ظن إدراكها قبل ركوعه، وحينئذ يشتغل بالدعاء لا القراءة. وقال المتولي، وأقره ابن الرفعة: يكره الشروع فيها قبله ولو في السرقة، للخلاف في الاعتداد بها حينئذ، ولجريان قول بالبطلان إن فرغ منها قبله
{ فرع }
يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة أو الرابعة، أو من التشهد الاول قبل الامام، أن يشتغل بدعاء فيهما، أو قراءة في الاولى وهي أولى
(و) يسن للحاضر (في) صلاته (جمعة وعشائها) سورة (الجمعة والمنافقون أو سبح وهل أتاك و) في (صبحها) - أي الجمعة - إذا اتسع الوقت (آلم تنزيل) السجدة (وهل أتى. و) في مغربها (الكافرون والاخلاص). ويسن قراءتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر، وفي ركعتي الفجر والمغرب والطواف والتحية والاستخارة والاحرام، للاتباع في الكل. { فرع } لو ترك إحدى المعينتين في الاولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ في الاولى ما في الثانية قرأ فيها ما في الاولى. ولو شرع في غير السورة المعينة، ولو سهوا، قطعها وقرأ المعينة ندبا. وعند ضيق وقت: سورتان قصيرتان أفضل من بعض الطويلتين المعينتين، خلافا للفارقي. ولو لم يحفظ إلا إحدى المعينتين قرأها ويبدل الاخرى بسورة حفظها وإن فاته الولاء. ولو اقتدى في ثانية صبح الجمعة مثلا، وسمع قراءة الامام * (هل أتى) * فيقرأ في ثانيته - إذا قام بعد سلام الامام - الم تنزيل. كما أفتى به الكمال الرداد وتبعه شيخنا في فتاويه. لكن قضية كلامه في شرح المنهاج أنه يقرأ في ثانيته إذا قام هل أتى، وإذا قرأ الامام غيرها قرأهما المأموم في ثانيته. وإن أدرك الامام في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ السجدة وهل أتى في ثانيته. كما أفتى به شيخنا
{ تنبيه }
يسن الجهر بالقراءة لغير مأموم في صبح وأوليي العشاءين وجمعة، وفيما يقضي بين غروب الشمس وطلوعها، وفي العيدين - قال شيخنا: ولو قضاء - والتراويح ووتر رمضان وخسوف القمر. ويكره للمأموم الجهر، للنهي عنه. ولا يجهر مصل - وغيره - إن شوش على نحو نائم أو مصل، فيكره. كما في المجموع. وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا، لان المسجد وقف على المصلين - أي أصالة - دون الوعاظ والقراء، ويتوسط بين الجهر والاسرار في النوافل المطلقة ليلا
(و) سن لمنفرد وإمام ومأموم (تكبير في كل خفض ورفع) للاتباع، (لا) في رفع (من ركوع)، بل يرفع منه قائلا: سمع الله لمن حمده، (و) سن (مده) - أي التكبير - إلى أن يصل إلى المنتقل إليه، وإن فصل بجلسة الاستراحة. (و) سن (جهر به) - أي بالتكبير - للانتقال كالتحرم (لامام) وكذا مبلغ احتيج إليه، لكن إن نوى الذكر أو والاسماع، وإلا بطلت صلاته. كما قال شيخنا في شرح المنهاج. قال بعضهم: إن التبليغ بدعة منكرة، باتفاق الائمة الاربعة، حيث بلغ المأمومين صوت الامام. (وكره) أي الجهر به. (لغيره) من منفرد ومأموم
(و) خامسها: (ركوع بانحناء بحيث تنال راحتاه) وهما ما عدا الاصابع من الكفين، فلا يكفي وصول الاصابع (ركبتيه) لو أراد وضعهما عليهما عند اعتدال الخلقة. هذا أقل الركوع. (وسن) في الركوع (تسوية ظهر وعنق) بأن يمدهما حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة، للاتباع. (وأخذ ركبتيه) مع نصبهما وتفريقهما (بكفيه) مع كشفهما وتفرقة أصابعهما تفريقا وسطا (وقول سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا) للاتباع. وأقل التسبيح فيه وفي السجود مرة، ولو بنحو سبحان الله، وأكثره إحدى عشرة. ويزيد من مر ندبا: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي أي جميع جسدي - لله رب العالمين. ويسن فيه وفي السجود: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي. ولو اقتصر على التسبيح أو الذكر فالتسبيح أفضل، وثلاث تسبيحات مع اللهم لك ركعت إلى آخره أفضل من زيادة التسبيح إلى إحدى عشرة. ويكره الاقتصار على أقل الركوع والمبالغة في خفض الرأس عن الظهر فيه. ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، في الركوع والسجود. ولغيره أن يضم فيهما بعضه لبعض
{ تنبيه }
يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره، فلو هوي لسجود تلاوة فلما بلغ حد الركوع جعله ركوعا لم يكف، بل يلزمه أن ينتصب ثم يركع، كنظيره من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين. ولو شك غير مأموم وهو ساجد هل ركع ؟ لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع، ولا يجوز له القيام راكعا
(و) سادسها (اعتدال) ولو في نفل، على المعتمد. ويتحقق (بعود) بعد الركوع (لبدء) بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه، قائما كان أو قاعدا. ولو شك في إتمامه عاد إليه غير المأموم فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته. والمأموم يأتي بركعة بعد سلام إمامه. (ويسن أن يقول في رفعه) من الركوع (سمع الله لمن حمده) أي تقبل منه حمده، والجهر به لامام ومبلغ لانه ذكر انتقال. (و) أن يقول (بعد انتصاب) للاعتدال: (ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شيء بعد) أي بعدهما، كالكرسي والعرش. ومل ء بالرفع صفة، وبالنصب حال. أي مالئا بتقدير كونه جسما، وأن يزيد من مر: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد
(و) سن (قنوت بصبح) أي في اعتدال ركعته الثانية، بعد الذكر الراتب على الاوجه، وهو إلى من شيء بعد (و) اعتدال آخره (وتر نصف أخير من رمضان) للاتباع، ويكره في النصف الاول، كبقية السنة. (وبسائر مكتوبة) من الخمس في اعتدال الركعة الاخيرة، ولو مسبوقا قنت مع إمامه (لنازلة) نزلت بالمسلمين. ولو واحدا تعدى نفعه - كأسر العالم أو الشجاع - وذلك للاتباع، وسواء فيها الخوف ولو من عدو مسلم، والقحط والوباء. وخرج بالمكتوبة النفل - ولو عيدا - والمنذورة، فلا يسن فيهما. (رافعا يديه) حذو منكبيه ولو حال الثناء، كسائر الادعية، للاتباع، وحيث دعا لتحصيل شيء، كدفع بلاء عنه في بقية عمره، جعل بطن كفيه إلى السماء. أو لرفع بلاء وقع به جعل ظهرهما إليها. ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء، (بنحو: اللهم اهدني فيمن هديت، إلى آخره) أي وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، أي معهم لا ندرج في سلكهم. وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت. تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك. وتسن آخره الصلاة والسلام على النبي صلي الله عليه وسلم وعلى آله، ولا تسن أوله. ويزيد فيه - من مر - قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح، وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد - أي نسرع - نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق. ولما كان قنوت الصبح المذكور أولا ثابتا عن النبي صلي الله عليه وسلم قدم على هذا، فمن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على الاول، ولا يتعين كلمات القنوت، فيجزئ عنها آية تضمنت دعاء إن قصده - كآخر البقرة - وكذا دعاء محض ولو غير مأثور. قال شيخنا: والذي يتجه أن القانت لنازلة يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع تلك النازلة
(وجهر به) أي القنوت، ندبا، (إمام) ولو في السرية، لا مأموم لم يسمعه ومنفرد فيسران به مطلقا، (وأمن) جهرا (مأموم) سمع قنوت إمامه للدعاء منه. ومن الدعاء: الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم فيؤمن لها على الاوجه. أما الثناء وهو: فإنك تقضي - إلى آخره - فيقوله سرا. أما مأموم لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفهمه فيقنت سرا
(وكره لامام تخصيص نفسه بدعاء) أي بدعاء القنوت، للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء. فيقول الامام: اهدنا، وما عطف عليه بلفظ الجمع. وقضيته أن سائر الادعية كذلك، ويتعين حمله على ما لم يرد عنه صلي الله عليه وسلم وهو إمام بلفظ الافراد وهو كثير. قال بعض الحفاظ: إن أدعيته كلها بلفظ الافراد، ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت
(و) سابعها: (سجود مرتين) كل ركعة، (على غير محمول) له، (وإن تحرك بحركته) ولو نحو سرير يتحرك بحركته لانه ليس بمحمول له فلا يضر السجود عليه، كما إذا سجد على محمول لم يتحرك بحركته كطرف من ردائه الطويل. وخرج بقولي: على غير محمول له، ما لو سجد على محمول يتحرك بحركته، كطرف من عمامته، فلا يصح، فإن سجد عليه بطلت الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه، وإلا أعاد السجود. ويصح على يد غيره، وعلى نحو منديل بيده لانه في حكم المنفصل، ولو سجد على شيء فالتصق بجبهته صح، ووجب إزالته للسجود الثاني. (مع تنكيس) بأن ترتفع عجيزته وما حولها على رأسه ومنكبيه، للاتباع. فلو انعكس أو تساويا لم يجزئه. نعم، إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه، (بوضع بعض جبهته بكشف) أي مع كشف. فإن كان عليها حائل كعصابة لم يصح، إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة، فيصح. (و) مع (تحامل) بجبهته فقط على مصلاه، بأن ينال ثقل رأسه، خلافا للامام. (و) وضع بعض (ركبتيه و) بعض (بطن كفيه) من الراحة وبطون الاصابع (و) بعض بطن (أصابع قدميه) دون ما عدا ذلك، كالحرف وأطراف الاصابع وظهرهما. ولو قطعت أصابع قدميه وقدر على وضع شيء من بطنهما لم يجب، كما اقتضاه كلام الشيخين. ولا يجب التحامل عليها بل يسن، ككشف غير الركبتين. (وسن) في السجود (وضع أنف) بل يتأكد لخبر صحيح، ومن ثم اختير وجوبه. ويسن وضع الركبتين أولا متفرقتين قدر شبر، ثم كفيه حذو منكبيه، رافعا ذراعيه عن الارض وناشرا أصابعه مضمومة للقبلة، ثم جبهته وأنفه معا، وتفريق قدميه قدر شبر ونصبهما موجها أصابعهما للقبلة، وإبرازهما من ذيله. ويسن فتح عينيه حالة السجود - كما قاله ابن عبد السلام، وأقره الزركشي -. ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الانف، (وقول: سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاثا) في السجود للاتباع. ويزيد من مر ندبا: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت. سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين. ويسن إكثار الدعاء فيه. ومما ورد فيه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك. وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. قال في الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع
(و) ثامنها: (جلوس بينهما) أي السجدتين، ولو في نفل على المعتمد. ويجب أن لا يقصد برفعه غيره، فلو رفع فزعا - من نحو لسع عقرب - أعاد السجود. ولا يضر إدامة وضع يديه على الارض إلى السجدة الثانية اتفاقا، خلافا لمن وهم فيه. (ولا يطوله، ولا اعتدالا) لانهما غير مقصودين لذاتهما بل شرعا للفصل، فكانا قصيرين. فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه - قدر الفاتحة في الاعتدال أقل التشهد في الجلوس - عامدا عالما بطلت صلاته. (وسن فيه) الجلوس بين السجدتين، (و) في (تشهد أول) وجلسة استراحة، وكذا في تشهد أخير إن تعقبه سجود سهو. (افتراش) بأن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الارض، (واضعا كفيه) على فخذيه قريبا من ركبتيه بحيث تسامتهما رؤوس الاصابع، ناشرا أصابعه، (قائلا: رب اغفر لي، إلى آخره) تتمته: وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني، وعافني. للاتباع. ويكره: اغفر لي، ثلاثا. (و) سن (جلسة استراحة) بقدر الجلوس بين السجدتين - للاتباع -، ولو في نفل، وإن تركها الامام - خلافا لشيخنا - (لقيام) أي لاجله، عن سجود لغير تلاوة. ويسن اعتماد على بطن كفيه في قيام من سجود وقعود
(و) تاسعها: (طمأنينة في كل) من الركوع والسجودين، والجلوس بينهما، والاعتدال، ولو كانا في نفل، خلافا للانوار. وضابطها أن تستقر أعضاوه بحيث ينفصل ما انتقل إليه عما انتقل عنه
(و) عاشرها: (تشهد أخير، وأقله) ما رواه الشافعي والترمذي: (التيحات لله إلى آخره) تتمته: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ويسن لكل زيادة: المباركات الصلوات الطيبات، وأشهد الثاني، وتعريف السلام في الموضعين، لا البسملة قبله، ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الاقل ولو بمرادفه، كالنبي بالرسول وعكسه، ومحمد بأحمد وغيره، ويكفي: وأن محمدا عبده ورسوله، لا وأن محمدا رسوله. ويجب أن يراعي هنا التشديدات، وعدم إبدال حرف بآخر، والموالاة لا الترتيب إن لم يخل بالمعنى. فلو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله أبطل لتركه شدة منه، كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله. ويجوز في النبي الهمزة والتشديد
(و) حادي عشرها: (صلاة على النبي) صلي الله عليه وسلم (بعده) أي بعد تشهد أخير، فلا تجزئ قبله. (وأقلها: اللهم صل) أي ارحمه رحمة مقرونة بالتعظيم، أو صلى الله (على محمد)، أو على رسوله، أو على النبي، دون أحمد. (وسن في) تشهد (أخير) وقيل: يجب. (صلاة على آله) فيحصل أقل الصلاة على الآل بزيادة وآله، مع أقل الصلاة لا في الاول على الاصح، لبنائه على التخفيف، ولان فيها نقل ركن قولي على قول، وهو مبطل على قول. واختير مقابله لصحة أحاديث فيه. (ويسن أكملها في تشهد) أخير، وهو: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. والسلام تقدم في التشهد فليس هنا إفراد الصلاة عنه، ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد
(و) سن في تشهد أخير (دعاء) بعد ما ذكر كله. وأما التشهد الاول فيكره فيه الدعاء لبنائه على التخفيف، إلا إن فرغ قبل إمامه فيدعو حينئذ. ومأثوره أفضل، وآكده ما أوجبه بعض العلماء، وهو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ويكره تركه. ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني. أنعت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت. رواهما مسلم. ومنه أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، إنك أنت الغفور الرحيم. رواه البخاري. ويسن أن ينقص دعاء الامام عن قدر أقل التشهد، والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم قال شيخنا: تكره الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم بعد أدعية التشهد
(و) ثاني عشرها: (قعود لهما) أي للتشهد والصلاة، وكذا للسلام. (وسن تورك فيه) أي في قعود التشهد الاخير، وهو ما يعقبه سلام. فلا يتورك مسبوق في تشهد إمامه الاخير، ولا من يسجد لسهو. وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالارض. (ووضع يديه في) قعود (تشهديه على طرف ركبتيه) بحيث تسامته رؤوس الاصابع، (ناشرا أصابع يسراه) مع ضم لها، (وقابضا) أصابع (يمناه إلا المسبحة) - بكسر الباء، وهي التي تلي الابهام – فيرسلها
(و) سن (رفعها) - أي المسبحة - مع إمالتها قليلا (عند) همزة (إلا الله) للاتباع. (وإدامته) أي الرفع. فلا يضعها بل تبقى مرفوعة إلى القيام أو السلام، والافضل قبض الابهام بجنبها، بأن يضع رأس الابهام عند أسفلها على حرف الراحة، كعاقد ثلاثة وخمسين. ولو وضع اليمنى على غير الركبة يشير بسبابتها حينئذ، ولا يسن رفعها خارج الصلاة عند إلا الله. (و) سن (نظر إليها) أي قصر النظر إلى المسبحة حال رفعها، ولو مستورة بنحو كم، كما قال شيخنا
(و) ثالث عشرها: تسليمة أولى، (وأقلها: السلام عليكم) للاتباع، ويكره عليكم السلام، ولا يجزئ سلام عليكم - بالتنكير - ولا سلام الله - أو سلامي - عليكم. بل تبطل الصلاة إن تعمد وعلم. كما في شرح الارشاد لشيخنا. (وسن) تسليمة (ثانية) وإن تركها إمامه، وتحرم إن عرض بعد الاولى مناف، كحدث وخروج وقت جمعة ووجود عار سترة. (و) يسن أن يقرن كلا من التسليمتين (برحمة الله) أي معها، دون: وبركاته، على المنقول في غير الجنازة. لكن اختير ندبها لثبوتها من عدة طرق. (و) مع (التفات فيهما) حتى يرى خده الايمن في الاولى والايسر في الثانية
{ تنبيه }
يسن لكل من الامام والمأموم والمنفرد أن ينوي السلام على من التفت هو إليه ممن عن يمينه بالتسليمة الاولى، وعن يساره بالتسليمة الثانية، من ملائكة ومؤمني إنس وجن، وبأيتهما شاء على من خلفه وأمامه وبالاولى أفضل. وللمأموم أن ينوي الرد على الامام بأي سلاميه شاء إن كان خلفه، وبالثانية إن كان عن يمينه، وبالاولى إن كان عن يساره. ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض، فينويه من على يمين المسلم بالتسليمة الثانية ومن على يساره بالاولى، ومن خلفه وأمامه بأيتهما شاء، وبالاولى أولى
{ فروع }
يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الاولى خروجا من الخلاف في وجوبها، وأن يدرج السلام، وأن يبتدئة مستقبلا بوجهه القبلة، وأن ينهيه مع تمام الالتفات، وأن يسلم المأموم بعد تسليمتي الامام
(و) رابع عشرها: (ترتيب بين أركانها) المتقدمة كما ذكر. فإن تعمد الاخلال بالترتيب بتقديم ركن فعلي، كأن سجد قبل الركوع، بطلت صلاته. أما تقديم الركن القولي فلا يضر إلا السلام. والترتيب بين السنن كالسورة بعد الفاتحة، والدعاء بعد التشهد والصلاة، شرط للاعتداد بسنيتها
(ولو سها غير مأموم) في الترتيب (بترك ركن) كأن سجد قبل الركوع، أو ركع قبل الفاتحة، لغا ما فعله حتى يأتي بالمتروك. فإن تذكر قبل بلوغ مثله أتى به، وإلا فسيأتي بيانه. (أو شك) هو - أي غير المأموم - في ركن هل فعل أم لا، كأن شك راكعا هل قرأ الفاتحة، أو ساجدا هل ركع أو اعتدل، (أتى به) فورا وجوبا (إن كان) الشك (قبل فعله مثله) أي مثل المشكوك فيه من ركعة أخرى (وإلا) أي وإن لم يتذكر حتى فعل مثله في ركعة أخرى (أجزأه) عن متروكه، ولغا ما بينهما. هذا كله إن علم عين المتروك ومحله، فإن جهل عينه وجوز أنه النية أو تكبيرة الاحرام بطلت صلاته. ولم يشترط هنا طول فصل ولا مضي ركن، أو أنه السلام يسلم، وإن طال الفصل على الاوجه. أو أنه غيرهما أخذ بالاسوأ وبنى على ما فعله، (وتدارك) الباقي من صلاته. نعم، إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزئه. أما مأموم علم أو شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة فيقرؤها ويسعى خلفه، وبعد ركوعهما لم يعد إلى القيام لقراءته الفاتحة بل يتبع إمامه ويصلي ركعة بعد سلام الامام
{ فرع }
(سن دخول صلاة بنشاط) لانه تعالى ذم تاركيه بقوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * والكسل: الفتور والتواني. (وفراغ قلب) من الشواغل لانه أقرب إلى الخشوع. (و) سن (فيها) أي في صلاته كلها، (خشوع بقلبه) بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة. (وبجوارحه) بأن لا يعبث بأحدها، وذلك لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه بقوله: * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) * ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه، كما دلت عليه الاحاديث الصحيحة. ولان لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة. ومما يحصل الخشوع استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى. يناجيه، وأنك ربما تجلى عليه بالقهر لعدم القيام بحق ربوبيته فرد عليه صلاته. وقال سيدي القطب العارف بالله محمد البكري رضي الله عنه: إن مما يورث الخشوع إطالة الركوع والسجود (وتدبر قراءة) أي تأمل معانيها. قال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) * ولان به يكمل مقصود الخشوع. (و) تدبر (ذكر) قياسا على القراءة، (و) سن (إدامة نظر محل سجوده) لان ذلك أقرب إلى الخشوع، ولو أعمى، وإن كان عند الكعبة أو في الظلمة، أو في صلاة الجنازة. نعم، السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها في التشهد لخبر صحيح فيه، ولا يكره تغميض عينيه إن لم يخف ضررا
{ فائدة }
يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شيء من سنن الصلاة. قال شيخنا: وفي عمومه نظر. والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب
(و) سن (ذكر ودعاء سرا عقبها) أي الصلاة. أي يسن الاسرار بهما لمنفرد ومأموم وإمام لم يرد تعليم الحاضرين ولا تأمينهم لدعائه بسماعه. وورد فيهما أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في كتابي إرشاد العباد فاطلبه فإنه مهم. وروى الترمذي عن أبي أمامة قال: قيل لرسول الله صلي الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع ؟ أي أقرب إلى الاجابة ؟ قال: جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات. وروى الشيخان عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: يأيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه حكيم سميع قريب. احتج به البيهقي وغيره للاسرار بالذكر والدعاء. وقال الشافعي في الام: أختار للامام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة، ويخفيا الذكر، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر، فإن الله تعالى يقول: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * يعني - والله أعلم - الدعاء، ولا تجهر حتى تسمع غيرك، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك. انتهى
{ فائدة }
قال شيخنا: أما المبالغة في الجهر بهما في المسجد بحيث يحصل تشويش على مصل فينبغي حرمتها
{ فروع }
يسن افتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم، والختم بهما وبآمين. وتأمين مأموم سمع دعاء الامام، وإن حفظ ذلك. ورفع يديه الطاهرتين حذو منكبيه، ومسح الوجه بهما بعده. واستقبال القبلة حالة الذكر أو الدعاء، إن كان منفردا أو مأموما. أما الامام إذا ترك القيام من مصلاه الذي هو أفضل له فالافضل جعل يمينه إلى المأمومين ويساره إلى القبلة. قال شيخنا: ولو في الدعاء. وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لانه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه، ولا يفوت بفعل الراتبة، وإنما الفائت به كماله لا غيره. وقضية كلامهم حصول ثواب الذكر وإن جهل معناه، ونظر فيه الاسنوي. ولا يأتي هذا في القرآن للتعبد بلفظه فأثيب قارئه وإن لم يعرف معناه، بخلاف الذكر لا بد أن يعرفه ولو بوجه. انتهى. ويندب أن ينتقل لفرض أو نفل من موضع صلاته ليشهد له الموضع حيث لم تعارضه فضيلة، نحو صف أول، فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان. والنفل لغير المعتكف في بيته أفضل إن أمن فوته، أو تهاونا به، إلا في نافلة المبكر للجمعة، أو ما سن فيه الجماعة، أو ورد في المسجد كالضحى، وأن يكون انتقال المأموم بعد انتقال إمامه
(وندب) لمصل (توجه لنحو جدار) أو عمود من كل شاخص طول ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر. وما بينه وبين عقب المصلي ثلاثة أذرع فأقل، ثم إن عجز عنه (ف) - لنحو (عصا مغروزة) كمتاع، (ف) إن لم يجده ندب (بسط مصلى) كسجادة، ثم إن عجز عنه خط أمامه خطا في ثلاثة أذرع عرضا أو طولا، وهو أولى، لخبر أبي داود: إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه. وقيس بالخط المصلى، وقدم على الخط لانه أظهر في المراد. والترتيب المذكور هو المعتمد، خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري. فمتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم. ويسن أن لا يجعل السترة تلقاء وجهه بل عن يمينه أو يساره، وكل صف سترة لمن خلفه إن قرب منه. قال البغوي: سترة الامام سترة من خلفه. انتهى
ولو تعارضت السترة والقرب من الامام أو الصف الاول فما الذي يقدم ؟ قال شيخنا: كل محتمل وظاهر قولهم يقدم الصف الاول في مسجده صلي الله عليه وسلم وإن كان خارج مسجده المختص بالمضاعفة تقديم نحو الصف الاول. انتهى
وإذا صلى إلى شيء منها فيسن له ولغيره دفع مار بينه وبين السترة المستوفية للشروط، وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا. ويحرم المرور بينه وبين السترة حين يسن له الدفع، وإن لم يجد المار سبيلا ما لم يقصر بوقوف في طريق أو في صف مع فرجة في صف آخر بين يديه فلداخل خرق الصفوف وإن كثرت حتى يسدها
(وكره فيها) أي الصلاة، (التفات) بوجه بلا حاجة. وقيل: يحرم. واختير للخبر الصحيح: لا يزال الله مقبلا على العبد في مصلاه - أي برحمته ورضاه - ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه. فلا يكره لحاجة، كما لا يكره مجرد لمح العين (ونظر نحو سماء) مما يلهي، كثوب له أعلام، لخبر البخاري: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم. فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم. ومن ثم كرهت أيضا في مخطط أو إليه أو عليه لانه يخل بالخشوع. (وبصق) في صلاته، وكذا خارجها، (أماما) أي قبل وجهه، وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا، كما أطلقه النووي (ويمينا) لا يسارا، لخبر الشيخين: إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عزوجل، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، بل عن يساره أو تحت قدمه اليسرى أو في ثوب من جهة يساره. وهو أولى. قال شيخنا: ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار إظهارا لشرف الاول، ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه، إذا لم يمكنه أن يطأطئ رأسه، ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار
وإنما يحرم البصاق في المسجد إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه. وزعم حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه بعيد غير معول عليه، ودون تراب لم يدخل في وقفه. قيل: ودون حصره، لكن يحرم عليها من جهة تقذيرها كما هو ظاهر. اه. ويجب إخراج نجس منه فورا عينيا على من علم به، وإن أرصد لازالته من يقوم بها بمعلوم، كما اقتضاه إطلاقهم. ويحرم بول فيه ولو في نحو طشت. وإدخال نعل متنجسة لم يأمن التلويث. ورمي نحو قملة فيه ميتة وقتلها في أرضه وإن قل دمها، وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية، فظاهر فتاوي النووي حله، وظاهر كلام الجواهر تحريمه، وبه صرح ابن يونس. ويكره فصد وحجامة فيه بإناء، ورفع صوت، ونحو بيع وعمل صناعة فيه
(وكشف رأس ومنكب) واضطباع ولو من فوق القميص. قال الغزالي في الاحياء: لا يرد رداءه إذا سقط، أي إلا لعذر، ومثله العمامة ونحوها. (و) كره (صلاة بمدافعة حدث) كبول وغائط وريح، للخبر الآتي، ولانها تخل بالخشوع. بل قال جمع: إن ذهب بها بطلت. ويسن له تفريغ نفسه قبل الصلاة وإن فاتت الجماعة، وليس له الخروج من الفرض إذا طرأت له فيه، ولا تأخيره إذا ضاق وقته. والعبرة في كراهة ذلك بوجودها عند التحرم. وينبغي أن يلحق به ما لو عرضت له قبل التحرم فزالت وعلم من عادته أنها تعود إليه في الصلاة. وتكره بحضرة طعام أو شراب يشتاق إليه، لخبر مسلم: لا صلاة - أي كاملة - بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الاخبثان - أي البول والغائط
(و) كره صلاة في طريق بنيان لا برية، وموضع مكس، و (بمقبرة) إن لم يتحقق نبشها، سواء صلى إلى القبر أم عليه أم بجانبه، كما نص عليه في الام. وتحرم الصلاة لقبر نبي أو نحو ولي تبركا أو إعظاما. وبحث الزين العراقي عدم كراهة الصلاة في مسجد طرأ دفن الناس حوله، وفي أرض مغصوبة. وتصح بلا ثوب كما في ثوب مغصوب، وكذا إن شك في رضا مالكه لا إن ظنه بقرينة. وفي الجيلي: لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا. ورجحه الغزي. قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يجوز له صلاة شدة الخوف وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها، كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه، بل أولى
{ فصل في أبعاض الصلاة ومقتضي سجود السهو }
(تسن سجدتان قبيل سلام) وإن كثر السهو، وهما والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها الثلاثة ومندوباتها السابقة، كالذكر فيها. وقيل: يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو. وهو لائق بالحال. وتجب نية سجود السهو بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه، (لترك بعض) واحد من أبعاض ولو عمدا. فإن سجد لترك غير بعض عالما عامدا بطلت صلاته
(وهو تشهد أول) أي الواجب منه في التشهد الاخير، أو بعضه، ولو كلمة. (وقعوده) وصورة تركه وحده كقيام القنوت أن لا يحسنهما، إذ يسن أن يجلس ويقف بقدرهما. فإذا ترك أحدهما سجد، (وقنوت راتب) أو بعضه، وهو قنوت الصبح. ووتر نصف رمضان، دون قنوت النازلة. (وقيامه) ويسجد تارك القنوت تبعا لامامه الحنفي، أو لاقتدائه في صبح بمصلي سنتها على الاوجه فيهما. (وصلاة على النبي) صلي الله عليه وسلم (بعدهما) أي بعد التشهد الاول والقنوت. (وصلاة على آل بعد) تشهد (أخير وقنوت). وصورة السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الاخير أن يتيقن ترك إمامه لها، بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، أو بعد أن سلم وقرب الفصل. وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الاركان، (ولشك فيه) أي في ترك بعض مما مر معين، كالقنوت هل فعله ؟ لان الاصل عدم فعله
(ولو نسي) منفرد أو إمام (بعضا) كتشهد أول أو قنوت، (وتلبس بفرض) من قيام أو سجود، لم يجز له العود إليه. (فإن عاد) له بعد انتصاب، أو وضع جبهته عامدا عالما بتحريمه (بطلت) صلاته، لقطعه فرضا لنفل. (لا) إن عاد له (جاهلا) بتحريمه. وإن كان مخالطا لنا لان هذا مما يخفى على العوام، وكذا ناسيا أنه فيها فلا تبطل لعذره، ويلزمه العود عند تعلمه أو تذكره. (لكن يسجد) للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله. (ولا) إن عاد (مأموما) فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده (سهوا، بل عليه) أو على المأموم الناسي (عود) لوجوب متابعة الامام. فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته، أما إذا تعمد ذلك فلا يلزمه العود بل يسن له. كما إذا ركع مثلا قبل إمامه، ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد. قال البغوي: ولم يحسب ما قرأه قبل قيامه. وتبعه الشيخ زكريا، قال شيخنا في شرح المنهاج: وبذلك يعلم أن من سجد سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لا يعتد له بما فعله، فيلزمه العود للاعتدال، وإن فارق الامام، أخذا من قولهم: لو ظن سلام الامام فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه القعود ليقوم منه، ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت، لان قيامه وقع لغوا، ومن ثم لو أتم جاهلا لغا ما أتى به فيعيده ويسجد للسهو. وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه، أو وهو في السجدة الاولى عاد للاعتدال وسجد مع الامام، أو فيما بعدها. فالذي يظهر أنه يتابعه ويأتي بركعة بعد سلام الامام. انتهى. قال القاضي: ومما لا خلاف فيه قولهم: لو رفع رأسه من السجدة الاولى قبل إمامه ظانا أنه رفع، وأتى بالثانية ظانا أن الامام فيها، ثم بان أنه في الاولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الامام. أي فإن لم يعلم بذلك إلا والامام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الامام. وخرج بقولي، وتلبس بفرض ما إذا لم يتلبس به غير مأموم، فيعود الناسي ندبا قبل الانتصاب أو وضع الجبهة، ويسجد للسهو، إن قارب القيام في صورة ترك التشهد، أو بلغ حد الركوع في صورة ترك القنوت. ولو تعمد غير مأموم تركه فعاد عالما عامدا بطلت صلاته إن قارب أو بلغ ما مر، بخلاف المأموم
(ولنقل) مطلوب (قولي غير مبطل) نقله إلى غير محله - ولو سهوا - ركنا كان كفاتحة وتشهد أو بعض أحدهما، أو غير ركن كسورة إلى غير القيام وقنوت إلى ما قبل الركوع أو بعده في الوتر في غير نصف رمضان الثاني، فيسجد له. أما نقل الفعلي فيبطل تعمده. وخرج بقولي غير مبطل ما يبطل، كالسلام وتكبير التحرم بأن كبر بقصده
(ولسهو ما يبطل عمده لا هو) أي السهو. كتطويل ركن قصير، وقليل كلام، وأكل، وزيادة ركن فعلي، لانه صلي الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو. وقيس به غيره، وخرج بما يبطل عمده ما يبطل سهوه أيضا، ككلام كثير. وما لا يبطل سهوه ولا عمده، كالفعل القليل والالتفات، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده
(ولشك فيما صلاه واحتمل زيادة) لانه إن كان زائدا فالسجود للزيادة وإلا فلتردد الموجب لضعف النية. فلو شك أصلى ثلاثا أم أربعا مثلا أتى بركعة لان الاصل عدم فعلها، ويسجد للسهو، وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة، للتردد في زيادتها. ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره أو فعله، وإن كانوا جمعا كثيرا ما لم يبلغوا عدد التواتر. وأما لا يحتمل زيادة، كأن شك في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة ؟ فتذكر قبل القيام للرابعة أنها ثالثة فلا يسجد، لان ما فعله منها مع التردد لا بد منه بكل تقدير، فإن تذكر بعد القيام لها سجد لتردده حال القيام إليها في زيادتها
(و) سن للمأموم سجدتان (لسهو إمام) متطهر وإمامه، ولو كان سهوه قبل قدوته، (وإن فارقه) أو بطلت صلاة الامام بعد وقوع السهو منه، (أو ترك) الامام السجود جبرا للخلل الحاصل في صلاته، فيسجد بعد سلام الامام وعند سجوده يلزم المسبوق والموافق متابعته، وإن لم يعرف أنه سها، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد ويعيده المسبوق - ندبا - آخر صلاة نفسه، (لا لسهوه) أي سهو المأموم (حال القدوة خلف إمام) فيتحمله عند الامام المتطهر، لا المحدث ولا ذو خبث خفي، بخلاف سهوه بعد سلام الامام فلا يتحمله لانقضاء القدوة. ولو ظن المأموم سلام الامام فسلم فبان خلاف ظنه سلم معه ولا سجود، لانه سهو في حال القدوة
{ فرع }
لو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير نية وتكبيرة، أو شك فيه، أتى بعد سلام إمامه بركعة ولا يسجد في التذكر لوقوع سهوه حال القدوة. بخلا ف الشك لفعله بعدها زائدا بتقدير. ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الامام، أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة، أتى بركعة وسجد فيها لوجود شكه المقتضي للسجود بعد القدوة أيضا. ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا، وإن قرب الفصل، أو سهوا وطال عرفا. وإذا سجد صار عائدا إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام، وإذا عاد الامام لزم المأموم الساهي العود، وإلا بطلت صلاته إن تعمد وعلم. ولو قام المسبوق ليتم فيلزمه العود لمتابعة إمامه إذا عاد
{ تنبيه }
لو سجد الامام بعد فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد وافقه وجوبا في السجود، أو قبل أقله تابعه وجوبا، ثم يتم تشهده
(ولو شك بعد سلام في) إخلال شرط أو ترك (فرض غير نية و) تكبير (تحرم لم يؤثر) وإلا لعسر وشق، ولان الظاهر مضيها على الصحة. أما الشك في النية وتكبيرة الاحرام فيؤثر على المعتمد، خلافا لمن أطال في عدم الفرق. وخرج بالشك ما لو تيقن ترك فرض بعد سلام فيجب البناء ما لم يطل الفصل، أو يطأ نجسا، وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا. قال الشيخ زكريا في شرح الروض: وإن خرج من والمسجد. والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف. وقيل: يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبي صلي الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين، والطول بما زاد عليه. والمنقول في الخبر أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد، وراجع ذا اليدين، وسأل الصحابة. انتهى. وحكى الرافعي عن البويطي أن الفصل الطويل ما يزيد على قدر ركعة، وبه قال أبو إسحاق. وعن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها
{ قاعدة }
وهي أن ما شك في تغيره عن أصله يرجع به إلى الاصل، وجودا كان أو عدما، ويطرح الشك، فلذا قالوا: كمعدوم مشكوك فيه
{ تتمة }
تسن سجدة التلاوة لقارئ وسامع جميع آية سجدة، ويسجد مصل لقراءته، إلا مأموما فيسجد هو لسجدة إمامه فإن سجد إمامه وتخلف هو عنه، أو سجد هو دونه، بطلت صلاته، ولو لم يعلم المأموم سجوده بعد رفع رأسه من السجود لم تبطل صلاته ولا يسجد، بل ينتظر قائما. أو قبله هوى، فإذا رفع قبل سجوده رفع معه ولا يسجد. ويسن للامام في السرية تأخير السجود إلى فراغه. بل بحث ندب تأخيره في الجهرية أيضا في الجوامع العظام، لانه يخلط على المأمومين. ولو قرأ آيتها فركع بأن بلغ أقل الركوع ثم بدا له السجود لم يجز لفوات محله. ولو هوي للسجود فلما بلغ حد الركوع صرفه له لم يكفه عنه. وفروضها لغير مصل: نية سجود التلاوة، وتكبير تحرم، وسجود كسجود الصلاة، وسلام. ويقول فيها ندبا: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين
{ فائدة }
تحرم القراءة بقصد السجود فقط في صلاة أو وقت مكروه، وتبطل الصلاة به. بخلافها بقصد السجود وغيره مما يتعلق بالقراءة فلا كراهة مطلقا. ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب، ولو بعد الصلاة. وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقا
فصل في مبطلات الصلاة
(تبطل الصلاة) فرضها ونفلها لا صوم واعتكاف (بنية قطعها) وتعليقه بحصول شيء ولو محالا عاديا (وتردد فيه) أي القطع، ولا مؤاخذة بوسواس قهري في الصلاة كالايمان وغيره (وبفعل كثير) يقينا من غير جنس أفعالها إن صدر ممن علم تحريمه أو جهله ولم يعذر حال كونه (ولاء) عرفا في غير شدة الخوف ونفل السفر، بخلاف القليل كخطوتين وإن اتسعتا حيث لا وثبة، والضربتين. نعم، لو قصد ثلاثا متوالية ثم فعل واحدة أو شرع فيها بطلت صلاته، والكثير المتفرق بحيث يعد كل منقطعا عما قبله. وحد البغوي بأن يكون بينهما قدر ركعة ضعيف، كما في المجموع. (ولو) كان الفعل الكثير (سهوا) والكثير (كثلاث) مضغات و (خطوات توالت) وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة، وكتحريك رأسه ويديه ولو معا
والخطوة - بفتح الخاء - المرة، وهي هنا نقل رجل الامام أو غيره، فإن نقل معها الاخرى ولو بلا تعاقب فخطوتان. كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج. لكن الذي جزم به في شرح الارشاد وغيره أن نقل رجل مع نقل الاخرى إلى محاذاتها ولاء خطوة فقط، فإن نقل كلا على التعاقب فخطوتان بلا نزاع. ولو شك في فعل أقليل أو كثير فلا بطلان. وتبطل بالوثبة وإن لم تتعدد
(لا) تبطل (بحركات خفيفة) وإن كثرت وتوالت، بل تكره، (كتحريك) أصبع أو (أصابع) في حك أو سبحة مع قرار كفه، (أو جفن) أو شفة أو ذكر أو لسان، لانها تابعة لمحالها المستقرة كالاصابع. ولذلك بحث أن حركة اللسان إن كانت مع تحويله عن محله أبطل ثلاث منها. قال شيخنا: وهو محتمل. وخرج بالاصابع الكف، فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل، إلا أن يكون به جرب لا يصبر معه عادة على عدم الحك فلا تبطل للضرورة. قال شيخنا: ويؤخذ منه أن من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير سومح فيه. وإمرار اليد وردها على التوالي بالحك مرة واحدة، وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك مرة واحدة. أي إن اتصل أحدهما بالآخر، وإلا فكل مرة، على ما استظهره شيخنا
(وبنطق) عمدا ولو بإكراه (بحرفين) إن تواليا - كما استظهره شيخنا - من غير قرآن وذكر أو دعاء لم يقصد بها مجرد التفهيم، كقوله لمن استأذنوه في الدخول: * (ادخلوها بسلام آمنين) * فإن قصد القراءة أو الذكر وحده أو مع التنبيه لم تبطل، وكذا إن أطلق. على ما قاله جمع متقدمون. لكن الذي في التحقيق والدقائق البطلان، وهو المعتمد. وتأتي هذه الصور الاربعة في الفتح على الامام بالقرآن أو الذكر، وفي الجهر بتكبير الانتقال من الامام والمبلغ. وتبطل بحرفين
(ولو) ظهرا (في تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة) كفاتحة، ومثلها كل واجب قولي كتشهد أخير وصلاة فيه فلا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر ركن قولي، (أو) ظهرا في (نحوه) كسعال وبكاء وعطاس وضحك. وخرج بقولي لغير تعذر قراءة واجبة، ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة مسنونة، كالسورة أو القنوت أو الجهر بالفاتحة، فتبطل. وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لاخراج نخامة تبطل صومه. قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لاخراج نخامة تبطل صومه. قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لاخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به. ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لان الظاهر تحرزه عن المبطل نعم، إن دلت قرينة حاله على عدم عذره وجبت مفارقته، كما بحثه السبكي. ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل. قال شيخنا: الذي يظهر العفو عنه، ولا قضاء عليه لو شفي (أو) بنطق (بحرف مفهم) كق وع وف، أو بحرف ممدود، لان الممدود في الحقيقة حرفان
ولا تبطل الصلاة بتلفظه بالعربية بقربة توقفت على اللفظ كنذر وعتق، كأن قال: نذرت لزيد بألف أو أعتقت فلانا. وليس مثله التلفظ بنية صوم أو اعتكاف لانها لا تتوقف على اللفظ فلم تحتج إليه، ولا بدعاء جائز ولو لغيره بلا تعليق، ولا خطاب لمخلوق فيهما، فتبطل بهما عند التعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت. وكذا عند خطاب مخلوق غير النبي صلي الله عليه وسلم ولو عند سماعه لذكره على الاوجه، نحو نذرت لك بكذا، أو رحمك الله، ولو لميت. ويسن لمصل سلم عليه الرد بالاشارة باليد أو الرأس ولو ناطقا، ثم بعد الفراغ منها باللفظ. ويجوز الرد بقوله: عليه السلام، كالتشميت برحمة الله. ولغير مصل رد سلام تحلل مصل، ولمن عطس فيها أن يحمد ويسمع نفسه
(لا) تبطل (بيسير نحو تنحنح) عرفا (لغلبة) عليه، (و) لا بيسير (كلام) عرفا كالكلمتين والثلاث. قال شيخنا: ويظهر ضبط الكلمة هنا بالعرف (بسهو)، أي مع سهوه عن كونه في الصلاة بأن نسي أنه فيها، لانه صلي الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين تكلم بقليل معتقدا الفراغ وأجابوه به مجوزين النسخ، ثم بنى هو وهم عليها. ولو ظن بطلانه بكلامه القليل سهوا فتكلم كثيرا لم يعذر. وخرج بيسير تنحنح لغلبة وكلام بسهو كثيرهما فتبطل بكثرتهما، ولو مع غلبة وسهو وغيره، (أو) مع (سبق لسان) إليه، (أو) مع (جهل تحريمه) أي الكلام فيها (لقرب إسلام) وإن كان بين المسلمين، (أو بعد عن العلماء) أي عمن يعرف ذلك. ولو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا - أي يسيرا - أو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام أو كون التنحنح مبطلا مع علمه بتحريم الكلام، لم تبطل لخفاء ذلك على العوام
(و) تبطل (بمفطر) وصل لجوفه وإن قل، وأكل كثير سهوا وإن لم يبطل به الصوم، فلو ابتلع نخامة نزلت من رأسه لحد الظاهر من فمه، أو ريقا متنجسا بنحو دم لثته، وإن ابيض، أو متغيرا بحمرة نحو تنبل، بطلت. أما الاكل القليل عرفا - ولا يتقيد بنحو سمسمة - من ناس، أو جاهل معذور، ومن مغلوب، كأن نزلت نخامته لحد الظاهر وعجز عن مجها، أو جرى ريقه بطعام بين أسنانه وقد عجز عن تمييزه ومجه، فلا يضر للعذر
(و) تبطل (بزيادة ركن فعلي عمدا) لغير متابعة، كزيادة ركوع أو سجود وإن لم يطمئن فيه. ومنه - كما قال شيخنا -: أن ينحني الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه، أو افتراشه المندوب، لان المبطل لا يغتفر للمندوب. ويغتفر القعود اليسير بقدر جلسة الاستراحة قبل السجود، وبعد سجد التلاوة، وبعد سلام إمام مسبوق في غير محل تشهده. أما وقوع الزيادة سهوا أو جهلا عذر به فلا يضر، كزيادة سنة نحو رفع اليدين في غير محله، أو ركن قولي كالفاتحة، أو فعلي للمتابعة، كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه
(و) تبطل (باعتقاد) أو ظن (فرض) معين من فروضها (نفلا) لتلاعبه، لا إن اعتقد العامي نفلا من أفعالها فرضا، أو علم أن فيها فرضا ونفلا ولم يميز بينهما، ولا قصد بفرض معين النفلية، ولا إن اعتقد أن الكل فروض
{ تنبيه }
ومن المبطل أيضا حدث ولو بلا قصد، واتصال نجس لا يعفى عنه إلا إن دفعه حالا، وانكشاف عورة إلا إن كشفها ريح فستر حالا، وترك ركن عمدا، وشك في نية التحرم أو شرط لها مع مضي ركن قولي أو فعلي أو طول زمن. وبعض القولي ككله مع طول زمن شك، أو مع قصره، ولم يعد ما قرأه فيه { فرع } لو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله، أو بنحو كلام مبطل فلا
(وندب لمنفرد رأى جماعة) مشروعة (أن يقلب فرضه) الحاضر لا الفائت (نفلا) مطلقا، (ويسلم من ركعتين) إذا لم يقم لثالثة، ثم يدخل في الجماعة. نعم، إن خشي فوت الجماعة إن تمم ركعتين استحب له قطع الصلاة واستئنافها جماعة. ذكره في المجموع. وبحث البلقيني أنه يسلم ولو من ركعة، أما إذا قام لثالثة أتمها ندبا إن لم يخش فوت الجماعة، ثم يدخل في الجماعة
فصل في الاذان والاقامة
هما لغة: الاعلام. وشرعا: ما عرف من الالفاظ المشهورة فيهما. والاصل فيهما الاجماع المسبوق برؤية عبد الله بن زيد المشهورة ليلة تشاوروا فيما يجمع الناس، وهي كما في سنن أبي داود: عن عبد الله أنه قال: (لما أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال: وما تصنع به ؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت له: بلى. فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، إلا آخر الاذان. ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، إلى آخر الاقامة... فلما أصبحت أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله. قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك. فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به. فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى. فقال صلي الله عليه وسلم: فلله الحمد. قيل: رآها بضعة عشر صحابيا. وقد يسن الاذان لغير الصلاة، كما في أذن المهموم والمصروع والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند الحريق، وعند تغول الغيلان - أي تمرد الجن -. وهو والاقامة في أذني المولود وخلف المسافر
(يسن) على الكفاية. ويحصل بفعل البعض (أذان وإقامة) لخبر الصحيحين: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم. (لذكر ولو) صبيا، و (منفردا وإن سمع أذانا) من غيره على المعتمد، خلافا لما في شرح مسلم. نعم، إن سمع أذان الجماعة وأراد الصلاة معهم لم يسن له على الاوجه (لمكتوبة) ولو فائتة دون غيرها، كالسنن وصلاة الجنازة والمنذورة. ولو اقتصر على أحدهما لنحو ضيق وقت فالاذان أولى به. ويسن أذانان لصبح واحد قبل الفجر، وآخر بعده، فإن اقتصر فالاولى بعده. وأذانان للجمعة، أحدهما بعد صعود الخطيب المنبر. والآخر الذي قبله إنما أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، فاستحبابه عند الحاجة كأن توقف حضورهم عليه، وإلا لكان الاقتصار على الاتباع أفضل
(و) سن (أن يؤذن للاولى) فقط (من صلوات توالت) كفوائت وصلاتي جمع وفائتة، وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الاذان. (ويقيم لكل) منها للاتباع (و) سن (إقامة لانثى) سرا، وخنثى فإن أذنت للنساء سرا لم يكره، أو جهرا حرم
(وينادي لجماعة) مشروعة (في نفل) كعيد وتراويح ووتر أفرد عنها برمضان وكسوف. (الصلاة) بنصبه إغراء، ورفعه مبتدأ، (جامعة) بنصبه حالا، ورفعه خبرا للمذكور. ويجزئ: الصلاة الصلاة، وهلموا إلى الصلاة. ويكره: حي على الصلاة. وينبغي ندبه عند دخول الوقت وعند الصلاة ليكون نائبا عن الاذان والاقامة وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة، وما فعل فرادى، وبنفل منذورة وصلاة جنازة
(وشرط فيهما) أي في الاذان والاقامة. (ترتيب) أي الترتيب المعروف فيهما، للاتباع. فإن عكس ولو ناسيا لم يصح وله البناء على المنتظم منهما. ولو ترك بعضهما أتى به مع إعادة ما بعده. (وولاء) بين كلماتهما. نعم، لا يضر يسير كلام وسكوت ولو عمدا. ويسن أن يحمد سرا إذا عطس، وأن يؤخر رد السلام وتشميت العاطس إلى الفراغ. (وجهر) إن أذن أو أقام (لجماعة)، فينبغي إسماع واحد جميع كلماته. أما المؤذن أو المقيم لنفسه فيكفيه إسماع نفسه فقط. (ووقت) أي دخوله (لغير أذان صبح) لان ذلك للاعلام، فلا يجوز ولا يصح قبله. أما أذان الصبح فيصح من نصف ليل. (وسن تثويب) لاذاني (صبح، وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم، مرتين). ويثوب لاذان فائتة صبح، وكره لغير صبح. (وترجيع) بأن يأتي بكلمتي الشهادتين مرتين سرا، أي بحيث يسمع من قرب منه عرفا قبل الجهر بهما للاتباع، ويصح بدونه. (وجعل مسبحتيه بصماخيه) في الاذان دون الاقامة، لانه أجمع للصوت. قال شيخنا: إن أراد رفع الصوت به، وإن تعذرت يد جعل الاخرى، أو سبابة سن جعل غيرها من بقية الاصابع. (و) سن (فيهما) أي في الاذان والاقامة (قيام) وأن يؤذن على موضع عال، ولو لم يكن للمسجد منارة سن بسطحه ثم ببابه. (واستقبال) للقبلة، وكره تركه. (وتحويل وجهه) لا الصدر (فيهما يمينا) مرة (في حي على الصلاة) في المرتين، ثم يرد وجهه للقبلة (وشمالا) مرة (في حي على الفلاح) في المرتين، ثم يرد وجهه للقبلة. ولو لاذان الخطبة أو لمن يؤذن لنفسه. ولا يلتفت في التثويب، على نزاع فيه.
{ تنبيه }
يسن رفع الصوت بالاذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه، ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحدا منهم، وأن يبالغ كل في جهر به للامر به، وخفضه به في مصلى أقيمت فيه جماعة وانصرفوا، وترتيله، وإدراج الاقامة، وتسكين راء التكبير الاولى. فإن لم يفعل فالافصح الضم. وإدغام دال محمد في راء رسول الله لان تركه من اللحن الخفي. وينبغي النطق بهاء الصلاة، ويكرهان من محد ث وصبي وفاسق. ولا يصح نصبه، وهما أفضل من الامامة لقوله تعالى: * (ومن أحسن قو ممن دعا إلى الله) * قالت عائشة رضي الله عنها: هم المؤذنون. وقيل: هي أفضل منهما، وفضلت من أحدهما بلا نزاع. (و) سن (لسامعهما) سماعا يميز الحروف، وإلا لم يعتد بسماعه - كما قال شيخنا -. آخرا (أن يقول ولو غير متوضئ) أو جنبا أو حائضا - خلافا للسبكي فيهما - أو مستنجيا فيما يظهر، (مثل قولهما إن لم يلحنا لحنا يغير المعنى). فيأتي بكل كلمة عقب فراغه منها، حتى في الترجيع وإن لم يسمعه. ولو سمع بعض الاذان أجاب فيه وفيما لم يسمعه. ولو ترتب المؤذنون أجاب الكل ولو بعد صلاته. ويكره ترك إجابة الاول. ويقطع للاجابة القراءة والذكر والدعاء. وتكره لمجامع وقاضي حاجة، بل يجيبان بعد الفراغ، كمصل إن قرب الفصل، لا لمن بحمام، ومن بدنه ما عدا فمه نجس وإن وجد ما يتطهر به. (إلا في حيعلات فيحوقل) المجيب، أي يقول فيها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أي لا تحول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. (ويصدق) أي يقول: صدقت وبررت، مرتين. أي صرت ذا بر، أي خير كثير. (إن ثوب) أي أتى بالتثويب في الصبح. ويقول في كلمتي الاقامة: أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها. (و) سن (لكل) من مؤذن ومقيم وسامعهما (أن يصلي) ويسلم (على النبي) صلي الله عليه وسلم (بعد فراغهما)، أي بعد فراغ كل منهما إن طال فصل بينهما، وإلا فيكفي لهما دعاء واحد
(ثم) يقول كل منهم رافعا يديه: (اللهم رب هذه الدعوة) أي الاذان والاقامة، (إلى آخره). تتمته: التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. والوسيلة هي أعلى درجة في الجنة. والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة. ويسن أن يقول بعد أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي. وتسن الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم قبل الاقامة، على ما قاله النووي في شرح الوسيط، واعتمده شيخنا ابن زياد، وقال: أما قبل الاذان فلم أر في ذلك شيئا. وقال الشيخ الكبير البكري أنها تسن قبلهما، ولا يسن محمد رسول الله بعدهما. قال الروياني في البحر: يستحب أن يقرأ بين الاذان والاقامة آية الكرسي لخبر: إن من قرأ ذلك بين الاذان والاقامة لم يكتب عليه ما بين الصلاتين { فرع } أفتى البلقيني فيمن وافق فراغه من الوضوء فراغ المؤذن، بأنه يأتي بذكر الوضوء لانه للعبادة التي فرغ منها، ثم بذكر الاذان. قال: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الاذان لتعلقه بالنبي صلي الله عليه وسلم ، ثم بالدعاء لنفسه
فصل في صلاة النفل
(يسن) للاخبار الصحيحة الثابتة في السنن (أربع ركعات قبل عصر، و) أربع قبل (ظهر و) أربع (بعده، وركعتان بعد مغرب) وندب وصلهما بالفرض. ولا يفوت فضيلة الوصل بإتيانه قبلهما الذكر المأثور بعد المكتوبة. (و) بعد (عشاء) ركعتان خفيفتان (وقبلهما)، إن لم يشتغل بهما عن إجابة المؤذن. فإن كان بين الاذان والاقامة ما يسعهما فعلهما، وإلا أخرهما. (و) ركعتان قبل (صبح)، ويسن تخفيفهما. وقراءة الكافرون والاخلاص فيهما، لخبر مسلم وغيره، وورد أيضا فيهما ألم نشرح لك وألم تر كيف، وأن من داوم على قراءتهما فيهما زالت عنه علة البواسير، فيسن الجمع فيهما بينهن لتتحقق الاتيان بالوارد، أخذا مما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا. ولم يكن بذلك مطولا لهما تطويلا يخرج عن حد السنة والاتباع، كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد. ويندب الاضطجاع بينهما وبين الفرض إن لم يؤخرهما عنه، ولو غير متهجد. والاولى كونه على الشق الايمن، فإن لم يرد ذلك فصل بنحو كلام أو تحول
{ تنبيه }
يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض وتكون أداء. وقد يسن كأن حضر والصلاة تقام أو قربت إقامتها بحيث لو اشتغل بها يفوته تحرم الامام فيكره الشروع فيها، لا تقديم البعدية عليه لعدم دخول وقتها، وكذا بعد خروج الوقت على الاوجه. والمؤكد من الرواتب عشر، وهو ركعتان قبل صبح وظهر وبعده وبعد مغرب وعشاء
(و) يسن (وتر) أي صلاته، بعد العشاء، لخبر: الوتر حق على كل مسلم. وهو أفضل من جميع الرواتب للخلاف في وجوبه. (وأقله ركعة)، وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء أو غيرها. قال في المجموع: وأدنى الكمال ثلاث، وأكمل منه خمس فسبع فتسع. (وأكثره إحدى عشرة) ركعة. فلا يجوز الزيادة عليها بنية الوتر، وإنما يفعل الوتر أوتارا. ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صح، واقتصر على ما شاء منه على الاوجه. قال شيخنا: وكأن بحث بعضهم إلحاقه بالنفل المطلق من أن له إذا نوى عددا أن يزيد وينقص توهمه من ذلك، وهو غلط صريح. وقوله: إن في كلام الغزالي عن الفوراني ما يؤخذ منه ذلك، وهم أيضا، كما يعلم من البسيط. ويجري ذلك فيمن أحرم بسنة الظهر الاربع بنية الوصل فلا يجوز له الفصل بأن يسلم من ركعتين، وإن نواه قبل النقص، خلافا لمن وهم فيه أيضا. انتهى. ويجوز لمن زاد على ركعة الفصل بين كل ركعتين بالسلام - وهو أفضل من الوصل - بتشهد أو تشهدين في الركعتين الاخيرتين، ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين. والوصل خلاف الاولى، فيما عدا الثلاث، وفيها مكروه للنهي عنه في خبر: ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب. ويسن لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الاولى سبح، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الاخلاص والمعوذتين للاتباع. فلو أوتر بأكثر من ثلاث فيسن له ذلك في الثلاثة الاخيرة إن فصل عما قبلها، وإلا فلا. كما أفتى به البلقيني. ولمن أوتر بأكثر من ثلاث قراءة الاخلاص في أولييه، فصل أو وصل. وأن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك القدوس، ويرفع صوته بالثالثة، ثم يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. ووقت الوتر كالتراويح بين صلاة العشاء، ولو بعد المغرب في جمع التقديم وطلوع الفجر، ولو خرج الوقت لم يجز قضاؤها قبل العشاء كالرواتب البعدية، خلافا لما رجحه بعضهم. ولو بان بطلان عشائه بعد فعل الوتر أو التراويح وقع نفلا مطلقا
{ فرع }
يسن لمن وثق بيقطته قبل الفجر بنفسه أو غيره أن يؤخر الوتر كله لا التراويح عن أول الليل وإن فاتت الجماعة فيه بالتأخير في رمضان، لخبر الشيخين: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا. وتأخيره عن صلاة الليل الواقعة فيه، ولمن لم يثق بها أن يعجله قبل النوم. ولا يندب إعادته. ثم إن فعل الوتر بعد النوم حصل له به سنة التهجد أيضا وإلا كان وترا لا تهجدا. وقيل: الاولى أن يوتر قبل أن ينام مطلقا، ثم يقوم ويتهجد، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام. رواه الشيخان. وقد كان أبو بكر رضي عنه يوتر قبل أن ينام ثم يقوم ويتهجد، وعمر رضي الله عنه ينام قبل أن يوتر ويقوم ويتهجد ويوتر. فترافعا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: هذا أخذ بالحزم - يعني أبا بكر - وهذا أخذ بالقوة - يعني عمر -. وقد روي عن عثمان مثل فعل أبي بكر، وعن علي مثل فعل عمر، رضي الله عنهم. قال في الوسيط: واختار الشافعي فعل أبي بكر رضي الله عنه
وأما الركعتان اللتان يصليهما الناس جلوسا بعد الوتر فليستا من السنة، كما صرح به الجوجري والشيخ زكريا. قال في المجموع: ولا تغتر بمن يعتقد سنية ذلك ويدعو إليه لجهالته
(و) يسن (الضحى) لقوله تعالى: * (يسبحن بالعشي والاشراق) * قال ابن عباس: صلاة الاشراق صلاة الضحى. روى الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلي الله عليه وسلم بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. وروى أبو داود أنه صلي الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى - أي صلاتها - ثماني ركعات، وسلم من كل ركعتين. (وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان) كما في التحقيق والمجموع، وعليه الاكثرون. فتحرم الزيادة عليها بنية الضحى، وهي أفضلها على ما في الروضة، وأصلها: فيجوز الزيادة عليها بنيتها إلى ثنتي عشرة، ويندب أن يسلم من كل ركعتين. ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال، والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لحديث صحيح فيه، فإن ترادفت فضيلة التأخير إلى ربع النهار وفضيلة أدائها في المسجد إن لم يوءخرها، فالاولى تأخيرها إلى ربع النهار وإن فات به فعلها في المسجد، لان الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان. ويسن أن يقرأ سورتي والشمس والضحى. وورد أيضا قراءة الكافرون والاخلاص. والاوجه أن ركعتي الاشراق من الضحى، خلافا للغزالي ومن تبعه
(و) يسن (ركعتا تحية) لداخل مسجد وإن تكرر دخوله أو لم يرد الجلوس، خلافا للشيخ نصر. وتبعه الشيخ زكريا في شرحي المنهج والتحرير بقوله: إن أراد الجلوس، لخبر الشيخين: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. وتفوت التحية بالجلوس الطويل، وكذا القصير إن لم يسه أو يجهل. ويلحق بهما على الاوجه ما لو احتاج للشرب فيقعد له قليلا ثم يأتي بها، لا بطول قيام أو إعراض عنها. ولمن أحرم بها قائما القعود لا تمامها. وكره تركها من غير عذر. نعم، إن قرب قيام مكتوبة جمعة أو غيرها، وخشي لو اشتغل بالتحية فوات فضيلة التحرم انتظره قائما. ويسن لمن لم يتمكن منها ولو بحدث أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربعا. وتكره لخطيب دخل وقت الخطبة، ولمريد طواف دخل المسجد، لا لمدرس، خلافا لبعضهم
(و) ركعتا (استخارة) وإحرام وطواف ووضوء. وتتأدى ركعتا التحية وما بعدها بركعتين فأكثر من فرض أو نفل آخر، وإن لم ينوها معه، أي يسقط طلبها بذلك. أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لخبر: إنما الاعمال بالنيات. كما قاله جمع متأخرون، واعتمده شيخنا. لكن ظاهر كلام الاصحاب حصول ثوابها وإن لم ينوها معه، وهو مقتضى كلام المجموع
ويقرأ ندبا في أولى ركعتي الوضوء بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) * والثانية: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما
*. ومنه صلاة الاوابين، وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، ورويت ستا وأربعا، وركعتين، وهما الاقل. وتتأدى بفوائت وغيرها، خلافا لشيخنا، والاولى فعلها بعد الفراغ من أذكار المغرب
وصلاة التسبيح وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين. وحديثها حسن لكثرة طرقه، وفيها ثواب لا يتناهى. ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين. ويقول في كل ركعة منها خمسة وسبعين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمسة عشر بعد القراءة وعشرا في كل من الركوع، والاعتدال، والسجودين، والجلوس بينهما بعد الذكر الوارد فيها، وجلسة الاستراحة. ويكبر عند ابتدائها دون القيام منها، ويأتي بها في محل التشهد قبله. ويجوز جعل الخمسة عشر قبل القراءة، وحينئذ يكون عشر الاستراحة بعد القراءة. ولو تذكر في الاعتدال ترك تسبيحات الركوع لم يجز العود إليه ولا فعلها في بالاعتدال لانه ركن قصير، بل يأتي بها في السجود. ويسن أن لا يخلي الاسبوع منها أو الشهر. والقسم الثاني ما تسن فيه الجماعة
(و) هو: (صلاة العيدين) أ العيد الاكبر والاصغر، بين طلوع شمس وزوالها. وهي ركعتان، ويكبر ندبا في أولى ركعتي العيدين - ولو مقضية على الاوجه بعد افتتاح - سبعا، وفي الثانية خمسا، قبل تعوذ فيهما، رافعا يديه مع كل تكبيرة ما لم يشرع في قراءة. ولا يتدارك في الثانية إن تركه في الاولى. وفي ليلتهما من غروب الشمس إلى أن يحرم الامام مع رفع صوت، وعقب كل صلاة، ولو جنازة، من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وفي عشر ذي الحجة حين يرى شيئا من بهيمة الانعام أو يسمع صوتها
(و) صلاة (الكسوفين) أي كسوف الشمس والقمر. وأقلها ركعتان كسنة الظهر، وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع في كل ركعة، والاكمل أن يقرأ بعد الفاتحة في القيام الاول البقرة أو قدرها، وفي الثاني كمائتي آية منها، والثالث كمائة وخمسين، والرابع كمائة. وأن يسبح في أول ركوع وسجود كمائة من البقرة، وفي الثاني من كل منهما كثمانين، والثالث منهما كسبعين، والرابع كخمسين. (بخطبتين) أي معهما (بعدهما) أي يسن خطبتان بعد فعل صلاة العيدين - ولو في غد فيما يظهر والكسوفين ويفتتح أولى خطبتي العيدين لا الكسوف - بتسع تكبيرات، والثانية بسبع ولاء. وينبغي أن يفصل بين الخطبتين بالتكبير، ويكثر منه في فصول الخطبة. قاله السبكي. ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين
(و) صلاة (استسقاء) عند الحاجة للماء لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي. وهي كصلاة العيد، لكن يستغفر الخطيب بدل التكبير في الخطبة، ويستقبل القبلة حالة الدعاء بعد صدر الخطبة الثانية، أي نحو ثلثها
(و) صلاة (التراويح)، وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات، في كل ليلة من رمضان، لخبر: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ويجب التسليم من كل ركعتين، فلو صلى أربعا منها بتسليمة لم تصح، بخلاف سنة الظهر والعصر والضحى والوتر. وينوي بها التراويح أو قيام رمضان، وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم، خلافا لما وهمه الحليمي. وسميت تروايح لانهم كانوا يستريحون لطول قيامهم بعد كل تسليمتين، وسر العشرين أن الرواتب المؤكدة في غير رمضان عشر فضوعفت فيه لانه وقت جد وتشمير. وتكرير قل هو الله أحد ثلاثا ثلاثا في الركعات الاخيرة من ركعاتها بدعة غير حسنة لان فيه إخلالا بالسنة، كما أفتى به شيخنا
ويسن التهجد إجماعا، وهو التنفل ليلا بعد النوم. قال الله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * وورد في فضله أحاديث كثيرة، وكره لمعتاده تركه بلا ضرورة. ويتأكد أن لا يخل بصلاة في الليل بعد النوم ولو ركعتين لعظم فضل ذلك. ولا حد لعدد ركعاته، وقيل: حدها ثنتا عشرة، وأن يكثر فيه من الدعاء والاستغفار. ونصفه الاخير آكد، وأفضله عند السحر لقوله تعالى: * (وبالاسحار هم يستغفرون) * وأن يوقظ من يطمع في تهجده
ويندب قضاء نفل مؤقت إذا فات كالعيد والرواتب والضحى، لا ذي سبب ككسوف وتحية وسنة وضوء. ومن فاته ورده - أي من النفل المطلق - ندب له قضاؤه، وكذا غير الصلاة
ولا حصر للنفل المطلق، وله أن يقتصر على ركعة بتشهد مع سلام بلا كراهة، فإن نوى فوق ركعة فله التشهد في كل ركعتين وفي ثلاث وأربع فأكثر، أو نوى قدرا فله زيادة ونقص إن نويا قبلهما وإلا بطلت صلاته. فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثة سهوا ثم تذكر فيقعد وجوبا، ثم يقوم للزيادة إن شاء ثم يسجد للسهو آخر صلاته. وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم. ويسن للمتنفل ليلا أو نهارا أن يسلم من كل ركعتين، للخبر المتفق عليه: صلاة الليل مثنى مثنى. وفي رواية صحيحة: والنهار. قال في المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات
وقال فيه أيضا: أفضل النفل عيد أكبر، فأصغر، فكسوف. فخسوف، فاستسقاء، فوتر، فركعتا فجر، فبقية الرواتب، فجميعها في مرتبة واحدة. فالتراويح، فالضحى، فركعتا الطواف والتحية والاحرام، فالوضوء
{ فائدة }
أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب ونصف شعبان ويوم عاشوراء فبدعة قبيحة، وأحاديثها موضوعة. قال شيخنا: كابن شبهة وغيره. وأقبح منها ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في الجمعة الاخيرة من رمضان عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة، وذلك حرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Tidak ada postingan.
Pabilamana sahabat ada masalah yang pelik tentang keagamaan umumnya tentang ibadah keseharian dunyawi dan ukhrawi, silahkan berbagi solusi di sini untuk mengirimkan tulisannya di kotak komentar, atau menghubungi Pesantren Virtual إن شاء الله akan ada jalan keluarnya. Terima kasih telah bertandang di Masail Diniyah-1 semoga tali silaturahim ini berjalan hingga tiada akhir.